الدكتور كمال قاسم نادرلقد قال ارنست همنغواي مرة عن نفسه: "انني اسجل ما اراه وما اشعر به بأحسن طريقة واسهلها استطيع فيها سرد تلك الامور". وهذه في الحقيقة الميزة الظاهرة لكل ما كتبه همنغواي، فالطابع الشخصي ظاهر في اغلب مؤلفاته،
فلقد كان يعتمد على ما خبر من واقع وما أحس من مشاعر ولم تكن تروقه الكتابة من وحي الخيال المحض، لذلك دارت مؤلفاته حول جوانب من الحياة ألفها هو نفسه كالحرب، وصيد الحيوانات، وصيد السمك، ومصارعة الثيران واتخذ من البيئات التي عاش فيها وعرفها كباريس، وايطاليا، واسبانيا، وسويسرا، وافريقيا، وكوبا مسرح هذه الحوادث.rnفالشخصيات الرئيسة تصور –في اغلب الاحيان- همنغواي كما كان او كما كان يريد ان يكون، والاثر الشخصي لم يقف عند اختيار الحوادث التي كان يرويها وانما تعداه الى اتجاه الشخصيات وعلاقتهم بتلك الحوادث، وكان همنغواي في الغالب يستعمل معارفه واصدقاءه في تصوير شخوص قصصه ورواياته حتى انه قيل ما من صديق لهمنغواي الا وجد طريقه الى عالم قصصه وقد اتفق اغلب النقاد على ان العامل الشخصي هذا هو السبب في جعل شخصيات الرجال عند همنغواي اقوى بكثير من الشخصيات النساء اذ ان النساء جاءت مرسومة من خلال نظرات الرجل اليها وانه لواضح جداً ان همنغواي لم يكتب له فهم سايكولوجية المرأة حتى ان احسن امرأة خلقها وهي بيلر –في لمن تقرع الاجراس- كانت تبدو عليها واضحة سمات الخشونة، اما الشخصيات الرومانتيكية من النساء مثل كاترين في (وداعاً للسلاح) وماريا في (لمن تقرع الاجراس) فهن في الغالب صور لما يريده الرجل او ما يتمناه.. جزء يتمم الرجل دون ان يكون له كيان خاص لذا كانت المرأة عند همنغواي ملاكاً يبعث الطمأنينة والنشوة وليست كالنساء اللاتي تعرفهن في الواقع.فأذا عرفنا هذا ساعدنا ذلك على تفهم البطل عند همنغواي.والنقاد يشيرون الى البطل بالمفرد لأن هناك ظواهر ومميزات توحد الابطال، والبطل عند همنغواي يبدو دائماً جريحاً اما جسمياً او نفسياً فهنري في وداعاً للسلاح قد جرح جسمياً وهو لا يخلو من الجروح النفسية وكذلك نك. ثم ان البطل يخلد للعزلة والانسحاب ويتخلى عن المجتمع الذي يعيش فيه وذلك واضح من انسحاب هنري وخليلته كاترين الى الجبال في سويسرا بعد ان عقد هدنة فردية مع العدو وترك الحرب.ويموت البطل عامة عند همنغواي عدة مرات قبل ان ينتهي الى الموت فعلاً، ولو ان البطل يتعلم كيف يتحمل العيش جنباً الى جنب مع بعض مصائبه وكيف يتغلب على بعضها الآخر ولكنه مع ذلك لا يشفى شفاء تاماً من جروحه فآثار تلك الجروح تظل تلاحقه مدى حياته.ويخلق همنغواي الى جنب البطل شخصية ايجابية تكمله.وقد اتفق النقاد على تسمية هذه الشخصية المكملة بـ(البطل الشرعي) ووظيفته موازنة ما عند البطل من نقص وتقويم زلاته وقد سمي بالبطل الشرعي لانه يمثل نواميس وأسسا لو سار البطل على نهجها واستطاع التوصل اليها لتمكن من العيش المريح في عالم ملؤه الاضطراب والارتباك والبؤس والشقاء، فالبطل الشرعي اذن يقدم ويمثل مبادئ معينة للشرف والشجاعة والتحمل وهذه المبادئ هي التي تخلق من الانسان رجلاً في عالم يطغى عليه الحقد والألم وهي التي تساعده على ان يسلك سلوكاً مرضياً صحيحاً في معركة خاسرة- هي الحياة والحياة كما يراها همنغواي معركة خاسرة لا محالة.وهكذا نجد الابطال عند همنغواي نوعين، الأنهزامي الذي لا يصمد امام المصاعب والايجابي الذي يظل يقارع الصعوبات ويعمل للتغلب عليها. هذان البطلان المتكاملان قد يوجدان في قصة واحدة كما هو الحال في (لمن تقرع الاجراس) في شخصيتي بابلو وانسلمو، وقد يوجدان منفصلين، الانهزامي في قصة والايجابي في قصة اخرى فهنري في (وداعاً للسلاح) انهزامي وسندياكو في (الشيخ والبحر) ايجابي.ولعل سن ديكو (في رواية الشيخ والبحر) خير مثل للبطل الشرعي الايجابي عند همنغواي فهو في معركته الفاشلة مع (الكواسج) يتصرف تصرفاً يحظى فيه بتقديرنا واعجابنا فهو يظل يصارعها بكل ما عنده من وسائل حتى يأتي الليل وتنكسر آخر اداة للضرب عنده.وهنا يبرز فعل قوة القدر عند همنغواي فالقدر كما يراه همنغواي قوة لا يستطيع البشر السيطرة عليها تتحكم فيهم وتدمرهم ونحن نشعر منذ الساعات الاولى ان الدمار مكتوب للبطل ولا مفر من ذلك ففي "لمن تقرع الاجراس" نشعر ان الموت مكتوب لجوردن والمرأة بيلر تقرأ ذلك في كفه وعندما يعيش ساعاته الطيبة مع فتاته ماريا نحس ان تلك الساعات هي ساعاته الاخيرة ويشعر جوردن نفسه بذلك ففي تأملاته صور لساعات انسان يحتضر.وكذلك الامر مع الشيخ فهو منكود الحظ ونحن نعرف منذ اللحظة الاولى التي يصطاد فيها السمكة انه خاسر لا محالة وكذلك تخوف كاترين من المطر وتطيرها منه –في وداعاً للسلاح- وعندما تموت كاترين والمطر ينهمر نفهم اذاك سبب تطيرها منه واهميته.اننا حين نقول ان القدر يتحكم في قصص همنغواي يجب ان لا ننسى صراع الانسان مع هذه القوة العاتية المبيدة، فالانسان- سواء أكان جوردن ام الشيخ- ليس بمخلوق تافه ضعيف ولا هو بالعوبة بيد القدر، وانما هو مخلوق يستحق الاجلال والاكبار للصراع الذي يقوم به في وجه قوة عا
البطل عند همنغواي
نشر في: 28 مايو, 2010: 04:21 م