محمد السلوم"لقد خبرت روحي الرعب والخشية ولكنها لم تعرف أبدا غياب عنصر أساسي كان يوفره لها الجسد دون أن يكون عليها أن تطلبه...على ارتفاع مصطنع يبلغ واحدا وأربعين ألف قدم,اثنين وأربعين ألف قدم,كنت اشعر إن الموت ملتصق بشفتي
,موت لزج,دافئ,شبيه باخطبوط...لم تكن روحي قد نسيت أن هذه التجربة ما كانت لتقتلني,الاان هذه الرياضة اللاعضوية كانت تزودني بفكرة عن نوع الموت الذي يحاصر الأرض في كل اتجاه" ليختم المظلي يوكيو ميشيما"شمس و فولاذ",وبذلك يدور حول الحياة نفسها واصفا الموت بالثعبان الملتف حول الكرة الأرضية ليخنق الحياة برتابتها وتقلباتها التي يتم إدراكها وتجاوزها, فالوجود لم يعد شيئا آخر سوى الإحساس بأنه لعبة تافهة وخاطئة بعض الشيء ,وبذلك يقترب ميشيما من مفهوم سارتر عن الموت,مع أن سارتر يرى بالموت بعض الجوانب الايجابية,rnفالموت عند سارتر يكشف النقاب عن حريتنا,وهذه هي وظيفته الأولى,بل إن المرء قد يتجاوز ذلك فيذهب إلى القول بان الموت لا يحقق فحسب الكشف عن الحرية بل يحرر الإنسان بالفعل من عبء الوجود,ولكن الموت عند ميشيما هو طقس احتفالي وان اخذ جانبا من القسوة فتلك القسوة بحد ذاتها تعد تقليدا إراديا باحتفالية "السيبوكو",وهذا هو القلق ,حيث يعتبر هيدغر أن المخلوق المفعم قلقا يصمم على أن "يأخذ الموت على عاتقه"ويصل إلى"حرية الموت المثقلة بالقلق"فهذا التصميم ليس مهربا تم اختراعه بقصد قهر الموت,وإنما هو مواجهة الموت المجردة من الأوهام,غير انه مع القلق الواقع كما يتابع هيدغر,تمضي جنبا إلى جنب "الفرحة المسلحة"إزاء إمكانية استحالة الوجود وهذه الفرحة المسلحة تشبه والى حد بعيد السيبوكو التي مارسها ميشيما لإنهاء حياته,حيث يصبح الوجود الإنساني متحررا من الدعائم التي يستمدها الوجود الإنساني غير الأصيل نحو أحداث العالم,ويستحثنا الوجود الأصيل نحو الموت, ويعد لحياة جديدة فهو يشبه الوصية القديمة القائلة بأنه لكي يعيش المرء فعليه أن يموت,وهذا ما يفسر ما رآه ميشيما بالضبط حين اختار موته الواعي الذي يعبر عن انتصاره الأخير والنهائي على الموت,فيما يدعو هيدغر إلى تغييرالمرء لحياته فحسب, والى أن يحيا على نحو"أصيل",ومن خلال تحقيق وجودنا جوهريا وبالضرورة باعتباره وجودا نحو الموت,ومن خلال هذا فحسب يمكن للإنسان أن يعلو على حياته اليومية الضيقة النطاق ليصبح ذاته حتما,وليغدو حرا بصورة حقيقية.وهنا يختلف همنغواي عن ميشيما,فهو يتفق معه في مسالة فراغ الحياة وعدم اهميتهاوعبثيتها,ولكنه يختلف معه حول مسالة الموت وفلسفة الموت بحد ذاتها,فالموت عند همنغواي هو الهزيمة,ولذلك يتوجب مواجهة الموت بشجاعة كالعجوز سانتياغو بطل "العجوز والبحر" في صراعه مع الموت وصبره على الانتصار ودحر الموت, وعودته المظفرة إلى جزيرته,فيما يجد ازاو بطل ميشيما في"الجياد الهاربة",يجد بموته انتصارا للقضاء على البؤس,وبحثه الحثيث عن ضحايا من ذوي النفوذ على حساب الفقراء,فهو ينتصر للمهزومين,ويجد في بحثه عن الموت رؤية لحقيقة مشرفة شاهرا سيف الكيندو,أو مصوبا النصل نحو بطنه الذي سيخترقها يوما ما,وبالمقارنة مع مفهوم هيغل عن الموت فهو يقول في مقدمة"ظاهريات الروح":"ليست حياة الروح هي تلك التي تنأى بنفسها عن الموت وتتجنب الدمار,وإنما هي الحياة التي تتحمل الموت وتتقبله في غير جزع,وهي لا تظفر بحقيقتها إلا حينما تجد ذاتها في يأس مطلق",وهذا القول يتطابق مع فلسفة ارنست همنغواي أيضا من ناحية مفهوم الحياة والموت,فالحياة بالنسبة له انتصار أما الموت فهو الهزيمة ,على عكس ميشيما تماما والذي يجد بالموت نصرا مقدسا.أما بطل همنغواي فله فلسفته ونظامه الخاص في الحياة,فهو يواجه الحياة بشجاعة مدركا تفاهتها وانعدامها أمام حقيقة الموت,ويعرف انه يتوجب عليه مواجهته بشجاعة ونبل,فيتبع في حياته وفي مواجهته للموت نظاما صارما يتقيد به,وفي مواجهته للهزيمة يقف بطل همنغواي بنبل,وفي وقفته هذه ضد الهزيمة أو الموت يستخلص البطل معنى لحياته في حياة لا معنى لها,وموقفه هذا يمليه عليه نظامه الخاص أو أسلوبه سواء كان مصارعا في حلبة مصارعة الثيران أو جنديا في الحرب أو عاشقا أو كاتبا,إذ يفرض كل من هؤلاء على نفسه نظاما خاصا صارما هو وسيلته لخلق معنى لحياته,وهو ما يتطابق مع قول سبينوزا:"أن آخر ما يفكر فيه الرجل الحر..هو الموت..لان حكمته ليست تأملا للموت..بل تأملا للحياة" فهذا الخوف من الموت ينعكس عند همنغواي باهتمامه بالبطل المتذوق كثيرا ما في العالم المادي من جمال ,وهو يستمتع بهذا الجمال بحواسه, واكبر هذه المتع الحسية هي الشراب والجنس اللذان يرقى بهما همنغواي إلى مرتبة تشبه العبادة,حيث أنهما تساعدان بطله على إيجاد معنى للحياة,وهذا ما يتفق مع قول بوسويه:"خوف الناس من الموت هو الذي حدا بهم إلى تجاهل التفكير بالموت والعمل على تناسيه",وباختصار فان عالم همنغواي هو عالم بلا اله ولا معنى وعلى البطل أن يخلق ذلك المعنى باتباع نظامه الخاص,و
فلسفة الموت عند همنغواي
نشر في: 28 مايو, 2010: 04:27 م