  دهوك / السومرية نيوز اعتاد الناشط المستقل أحمد علي، وبجهد فردي منذ أربع سنوات، أن يقيم لمهاجري قريته ومهجريها، سفرات جماعية لزيارتها ونزهات خلال فصل الربيع، في محاولة منه لوصل ما قطعته سنوات الحروب والتهجير بين أجيال أبناء القرية الواحدة، وتبدو عليه السعادة وهو ينظر إلى أفراد نحو خمسين أسرة تعود أصولهم إلى قرية ادني في محافظة دهوك، وهم يجتمعون بأبناء قريتهم بعد غيبة،
 ويلتقي الشباب منهم كبار السن، فيما تدور حولهم حلقات الدبكات الكردية في نزهة ربيعية وسط الطبيعة. يقول الناشط علي احمد 46 سنة، الذي يسكن منطقة كاني ماسي بقضاء العمادية في محافظة دهوك "، إن "الأوضاع السياسية والأمنية التي تعرضت لها المنطقة خلال ثلاثين سنة الماضية أدت إلى هجرة بعض أبناء قريتي إلى الدول المجاورة أو تهجيرهم قسرا إلى مدن وقصبات أخرى، ما أدى إلى انقطاع التواصل بين أهالي القرية خصوصاً لدى جيل الشباب". وكانت قرية أدني التي يقطنها أحمد علي،قد تعرضت للتدمير في عام 1976 من قبل النظام السابق ضمن حملة تدمير لآلاف القرى الكردية، وترحيل أهاليها إلى مناطق مختلفة. لكنه لا يخفي الصعوبات التي تواجهه لجمع أهالي قريته في النزهات الجماعية التي ينظمها "لأن معظمهم يسكنون المدن ويمارسون أعمالاً مختلفة، وكل فرد منشغل بأمور حياته وهمومه"، غير انه يقول، مستدركا "لكنني مصر على مواصلة لم شملهم والمحافظة على إدامة أواصر الصلة فيما بينهم وإعادة أبناء القرية إلى الحياة القروية لأنها جزء رئيسي من التاريخ والتراث الكرديين". ويوضح إن "لدي مخاوف من اندثار العادات والتقاليد القروية، خصوصاً أن جيل الشباب لا يهتم بها"، داعياً "المؤسسات الثقافية المعنية إلى الحفاظ عليها باعتبارها جزءا مهما من الحياة الكردية". من جانبه، يقول ألند نهيلي، 32سنة أحد أبناء القرية ويحمل شهادة جامعية، الذي شارك في إحدى النزهات الجماعية مع أهالي قريته مؤخراً إن "أكثر من 50  أسرة شاركت في النزهة الجماعية، التي نظمها أهالي قريتنا، وكانت أشبه بحفلة تعارف بين الشابات والشباب، وكبار السن، وتخللتها أغان ودبكات متنوعة تركية وعربية وفارسية وغربية، فضلاً عن الدبكة الكردية". ويضيف النهيلي أن "الهجرة خلقت جيلاً لم يتمكن من التواصل الاجتماعي مع أهالي منطقته"، مستدركا بالقول إن "للهجرة جوانب إيجابية أيضاً، إذ أنها فتحت الباب امام المهاجرين للتعرف على مجتمعات اخرى والتفاعل معها، وفتحت لهم آفاقا أخرى، في حين كانت حياة القرية تقليدية ونمطية ولا تتميز بالمنافسة". من جانبه يعترض احد اهالي القرية دزوار أحمد على هذه النزهات الجماعية لأنها "ترسخ العادات والتقاليد القديمة والنزاعات العشائرية والقبلية"، حسب قوله. ويضيف "، أن "البعض يستخدم النزهات وهي تقليد شعبي قديم، لإبراز نفوذه وجاهه في المجتمع"، مشددا على أنه "يفضل أن يبقى حرا وطليقاً خلال نزهته، من دون التزامات تفرضها العادات والتقاليد".من جانبه يرى الباحث الاجتماعي بيار بافي ان النزهات الجماعية الربيعية، التي غالباً ما تنظمها العشائر والوجهاء لها جوانبها الإيجابية، كونها تسهم في حماية التقاليد والموروث الشعبي، باعتبارها جزءا رئيسياً للهوية القومية والوطنية، كما أنها تعمق الالتزام بالأخلاق العشائرية، التي تتميز بالكرم والصدق والمساندة والتعاون". ويستدرك الباحث الاجتماعي أن "لهذا التقليد جانبا سلبيا لأنه يرسخ التعصب العشائري، الذي يعيق التقدم الاجتماعي والنظام المؤسساتي". ويوضح بافي أن "الظروف السياسية، التي مر بها العراق خلال العقود الماضية، أدت إلى غياب مؤسسات مدنية قوية وأدت إلى إبراز دور العشائر في الحياة السياسية والاجتماعية بشكل ملحوظ، ما يضطر الفرد في الكثير من الحالات إلى اللجوء إلى العشيرة والاستقواء بها والحفاظ على مصالحه المادية والمعنوية". ويعتبر بافي أن "للنظام العشائري في المجتمع الكردي جذوراً عميقة منذ مئات السنين، لذلك ما زال للقيم العشائرية تأثيرها الواضح في المجتمع".يذكر أن تنظيم السفرات والنزهات الجماعية والخروج إلى الطبيعة في إقليم كردستان، وبحسب المصادر التاريخية، هو تقليد اجتماعي قديم في المنطقة ويمارس منذ مئات السنين، وكانت تقام خلالها نشاطات ترفيهية وألعاب شعبية تستمر لعدة أيام، إلاّ أن الظروف السياسية والأمنية التي تعرض لها الإقليم خلال العقود الماضية تسببت في انحسار هذا التقليد الاجتماعي.