لا نستطيع ان ننكر ان كتاب الاستاذ الكبير حسين جميل العراق شهادة سياسية صادرة عن احدى دور النشر العربية في لندن قد اعاد الهيبة والوقار الى الكتابات التي تتناول تاريخ العراق السياسي الحديث لاسباب كثيرة يستطيع قارئ الكتاب ان يشعر بها وفي مقدمتها المعالجة الموضوعية للاحداث ولاسيما التي تتعلق بالجذور الديمقراطية في الحركة الوطنية العراقية ..
ولاغرابة في ذلك فقد عرف المؤلف الفاضل في كل ما كتب بصدق الرواية ووضوح العبارة وبعده التام عن الحذلقة عن الكثير من الكتب التي تتناول التاريخ الحديث ولايخفى ان الكتاب من المصادر الرئيسية التي كانت يعتمد عليها طلاب الدراسات الجامعية العليا في اعداد الدراسات التاريخية والعلمية والدستورية فضلا عن هواة البحث والتتبع وعشاق الحقيقة rnوكتابه الاخير مزيج من التاريخ السياسي والسيرة الذاتية لشخصية عراقية سياسية وقانونية بارزة عاصرت التطور العراقي وساهمت في العديد من احداثه وذلك من مواقع سياسية مختلفة من التلميذة الى عضوية مجلس النواب والوزارة. لقد هيأ لنا استاذنا حسين جميل فرصة طيبة للاشارة الى ثورة مفتي بغداد عبد الغني جميل عام 1832 للميلاد فقد تحدث في مستهل كتابه الى بعض ما يتعلق بتاريخ اسرته ومنشأ شهرتها .. واعتمد كما هو شأنه على النصوص المعروفة التي اوردها المرحوم عباس العزاوي في تاريخه الجزء السابع وهي عبارة عن مجموعة ادبية بغدادية كما لا يخفى مكان المرحوم محمود العبطة المحامي في سبيل الكتابة عن ثورة عبد الغني جميل عندما ادركته المنية وحرمتنا من خدماته الادبية وتواضعه العلمي وقد اشار العبطة عليّ بتوفير بعض ما يحتاجه من نصوص فعرفت يوم ذاك ان احد البغداديين كتب تاريخاً صغيرا عن حوادث العراق من سقوط داود باشا حتى سقوط بغداد بيد الانكليز عام 1917 سماه (ذيل مطالع السعود) منه نسخة مخطوطة في مكتبة المتحف العراقي يضم نصاً مهماً عن ثورة المفتي الجميل. وقد تبين ان الكتاب ضم العديد من المخطوطات لعباس العزاوي التي الت الى مكتبة المتحف العراقي وان العزاوي اعتمده في تاريخه الموسوم تاريخ العراق بين احتلالين فسماه تاريخ الشاوي ومؤلفه محمود بن سلطان بيك الحميري ويذكر مؤلفه ان الميجر ستيفن هامسلي احد الضباط الانكليز المهتمين بتاريخ العراق كلفه بكتابة هذا التاريخ ليكون احد مراجع كتابه المشهور (اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) الذي ترجمه الى العربية المرحوم جعفر الخياط.والمؤلف من بيت بغدادي معروف لعب دوراً كبيراً في تاريخ بغداد في القرون الماضية على الصعيدين السياسي والادبي والمؤلف سليل هذا البيت فاعتمد في كتابة تاريخه على ما تتناقله اسرته من احداث العراق في العهد العثماني فضلا عن النصوص التي توفرت لديه. شجاع يحمي النزيلوفي زمن المرحوم علي رضا باشا كان الجنود الذين جلبهم معه من الاستانة قاموا يضرون بأهالي بغداد كالتعرض لنساء بغداد واخذ القماش واللباس غصباً من التجار دون ان يعطوهم حقها .. ويطيلون الايدي على المارين والعابرين في سبل جانب الرصافة من بغداد وكان يومها عبد الغني جميل الساكن في محلة قنبر علي في الجانب المذكور مفتياً في بغداد والحق انه رجل مهاب شجاع ذو دهاء وحمية على اهل وطنه يحمي النزيل ولايعطي الدخيل ويطعم البائس الفقير وكان مراعياً لحقوق الاشراف ذوي البيوت الذين هم من اوطانه واحبابه وخلانه ويغفر زلاتهم ويحافظ على ذممهم .. فشكا اهالي بغداد حال العسكر وما جرى عليهم من انواع التحقيرات والاهانات فأمرهم أن يقتلوا الذين يعتدون عليهم وعلى النساء فصار يعثر على عدد من الجنود مقتولين ومطروحين في سبل بغداد. ومرت ايام على هذه الحالة ولايعرفون القاتل وعدد الجنود ينقص حتى وشوا الى الوزير علي رضا باشا وهو من اهالي بغداد بان القتلى من الجنود هم بأمر من المرحوم عبد الغني افندي آل جميل وبقوته وبفتكه والا فإن الاهالي لايجرؤون على قتل الجنود المذكورين، عند ذلك امر الوالي بالقبض عليه ونهب امواله ونهب داره وعندما تحقق الخبر ثار اهالي قنبر علي ومحلة ابو شبل وغيرها من المحلات القريبة من بيته من جانب الرصافة وتقابلوا مع الجنود وقد ادى ذلك انهزام الاهالي وصار الظفر لجنود المرحوم الوالي بوساطة بعض الخائنين فانظروا لنفاق هؤلاء الخونة فبدلاً من مساعدة اهل وطنهم من الذلة والمسكنة وصون عرض نراهم يسعون بالنفاق الى الوزراء ليذلوا وطنهم لاجل ان ينالوا المنصب .. وفي تلك الاثناء اغتنم المرحوم عبد الغني افندي آل جميل الفرصةوعبر الى جانب الكرخ واخذ العزيز والخفيف من ماله ونزل في دار سليمان الغنام ومن فرقة عكيل وأجاره المرحوم سليمان وبقي عنده معززاً مكرماً عدة ايام وبعد ذلك حذر وخاف ان تقع الواقعة بين علي باشا واهالي جانب الكرخ ويكون هو سببها وما احب ذلك .. وكان في ذلك الوقت وقبله اذا احد قتل نفساً وعبر الجسر ودخل بيت الشاوي او في بيت احد رؤساء عكيل فإنهم يحمونه ويجيرونه ويقاتلون من أجله.. مثل مشهور عند اهالي بغداد اعبر التختة تسلم).. ويقصد بالتختة الجسر الوحيد الذي كان يربط جانبي بغداد وخرج المرحوم عبد الغني افندي آل جميل من دار سليمان الغنام وذهب الى قبيلة المنتدى وبقي هناك سنة وبعد ذلك فارق القبيلة وتوجه الى دمشق وبقي فيها سنتين ثم عاد الى قصبة عانة وبق
حسين جميل يروي شهادته السياسية.. نص فريد عن ثورة مفتي بغداد عام 1832
نشر في: 2 يونيو, 2010: 04:53 م