صباح محسن منذ اكثر من مئة عام على اختراع شخصية شارلوك هولمز، المثيرة والفائقة الادراك والتحكم بسلوكها، والتدبر لكل ما يواجهها من مشاكل ومعوقات، لتخرج دائما من تلك الاشكاليات بحكمة التصرف والكشف المذهل عن الجريمة او المؤامرات التي تحاك في الاروقة ذات الطابع الفكتوري.
ولتكون من الشخصيات التي تم ابتداعها بشكل مذهل على يد السير آرثركونان دويل اواسط القرن الثامن عشر، لتكون شخصية شارلوك هولمز قد استحوذت على اهتمام القراء بطريقة مذهلة ومشوقة حتى صارت من الادبيات ذات المرجعية لكل من يريد ضخ نموذج له مواصفات هولمز لتتكاثر بشكل عجيب وسريع. ليصل زحفها الى اكثر الاهتمامات الفنية ذات الصلة بقطاع واسع من الناس، اي السينما حيث اخذت الكثير من هذا العمل الادبي ذي الالغاز والاحداث ذات الصبغة البوليسية، وهذا الجانب يدفع بالناس للاستمتاع بهذه الحكايات والتي صاغها السيد ارثر كونان دويل كما ذكرت.لتكون عودة السينما لهذه الحكاية ليست الاخيرة.اذ قدمت الكثير من الاعمال السينمائية والتلفزيونية على شكل افلام او مسلسلات.وتم طبع العديد من الكتب والمجلات المخصصة للاطفال على شكل رسوم تحكي عن اكتشافات هولمز للجريمة والمجرمين بطريقة مبسطة، حتى اصبحت من اكثر الشخصيات شعبية على مستوى الادب والسينما.مرة جديدة وليست الاخيرة، يعود المخرج جوي ريتشي لتقديم رؤية إخراجية غير بعيدة عن الافلام السابقة، لكن بفارق مهم له علاقة بالتطور المذهل في ادوات العمل السينمائي وادخال عناصر الكمبيوتر ومفردات التكنولوجيا الرقمية. مما ساعد على تقديم حالة الابهار والتشويق التي سادت مشاهد الفيلم، خصوصا الاجواء التي تشبه الى حد قريب فترة العهد الفكتوري من ازقة وابنية مثل الكنائس والقاعات الفارهة والمغلفة بالزجاج الملون واللوحات ذات النزعة الكلاسيكية والشوارع وبعض من ادوات التعامل المختبري.الى الاواني والايقونات والانابيب المستخدمة في الكشف عن الجريمة المختبرية، الى الاسلحة المتنوعة والمستخدمة إبان تلك المرحلة مع وجود العصي الشهيرة والتي تحملها الشخصيات الارستقراطية والتي لها علاقة بإكمال ابعاد الشخصية واعطائها نوعاً من الابهة السائدة آنذاك، وكانت العصا الخاصة بشارلوك هولمز وصديقه الدكتور جون واتسون ذات مزايا خاصة جدا. حيث يتم استخدامها للمواجهات مع الخارجين على القانون وكسر النوافذ واستخدامها كسيوف في حالات خاصة الى القيام بحركات بهلوانية تؤكد سيطرتهما المطلقة لتجاوز بعض الصعوبات من خلالهما.نجح المخرج في اختيار الكادر الفني التخصصي في مثل هذه الافلام وتقديم مناخات توحي بتلك الفترة، من تصوير وديكورات وادوات مستخدمة مع ازياء رائعة ومتعددة، مع موسيقى تصويرية بارعة.وقد اكتمل الجانب البصري مع الامتدادات المفتوحة للخلفيات المقترحة للمشاهد ذات العمق الصوري والتي تمتاز بتقريب الخلفية الحقيقية للاحداث الموجودة في اصل السيناريو وتداخل المعطيات الفنية التي برع التصوير فيها بشكل باهر وموفق.سيناريو محكم عن كتابة قدمها ليونيل ويجرام عن حل الغاز هولمز الشهيرة المصحوبة بالحركة والمفاجآت، وعلى ما ذكر ويجرام فان الشك كان يساورهم هو والمخرج والمنتج من ناحية تقديم فيلم يحاكي مغامرات هولمز بطريقة مغايرة لما تم تقديمه في المرات السابقة في افلام قدمت الكثير من الممثلين الذين جسدوا شخصية هولمز وكانوا قد اتفقوا على انتاج شخصية تنفتح وتتمدد وتتآلف مع طروحات ورؤى هولمز.حيث وقع الاختيار على الممثل روبرت داوني جونيور صاحب الامكانات التمثيلية الباهرة ولامتلاكه القوة في التعبير وتغيير المزاج والتحول من هادئ الى منفعل ومن ناجح الى مصدوم الى منكسر، اذ ان شخصية هولمز تتحمل تلك الانتقالات المتعددة، وحسب قوة الحدث او اللغز!.ووفق المخرج كثيرا في اختياره هذا بعد ان زج بنجوم آخرين لايقلون شأنا عن روبرت داوني مثل النجم الصاعد جودلو في شخصية الدكتور واتسون حيث الرشاقة والحركة المتمكنة مع قوة النظرة وعمق الاداء وهذه الاداءات قدمها لو بشكل مذهل، مع وجود نجمة رائعة وذات مواصفات تؤهلها للقيام بهذا الدور الممثلة ريتشل ماك ولتمتعها بقوام ووجه يحيلانها إلى الفترة الفكتورية. وممثلين اخرين وليام هوب وايدي مارسن وروبرت ميلر ووليام هوستون وآخرين.ولج السيناريو المكتوب بشخص خاص للفيلم الى تقديم احداث مأخوذة من عالم الكاتب دويل، مع اضافة حوارات كتبت خصيصا للممثلين مع استغلال امكانياتهم التمثيلية لاظهار شخصية هولمز مع الاحداث بطريقة معاصرة لاتخلو من شد وتشويق، مع مشاهد متتالية وسريعة، نجح المونتاج كثيرا في اخراجها، اذ كان القطع سريعا ومحسوبا للانتقال من مشهد الى آخر مع الانتقال بالاحداث بسلاسة ودون ملل، حيث حفلت المشاهد بالاحداث مع الدور التكميلي البارع للديكور والاكسسوارات والتي لها علاقة بالوقائع التي جرت عليها الاحداث.مع الحركات المتقنة والبهلوانية والامكانية الحركية والليونة المتميزة لاجساد الممثلين خاصة روبرت داوني وتحديدا مشهد الملاكمة حيث تصرف بشكل طاغ بحركات جسده اثناء سقوطه ونجاحه في سحق الملاكم الخصم في حلبة اعدت بطريقة رائعة وجمهور يشبه حكايات السحرة في العهد الفكتوري.
فيلم هولمز.. متعة السينما و البحث الغامض والمبهر فـي مناخ واحد
نشر في: 2 يونيو, 2010: 05:47 م