علاء المفرجي برحيل الكاتب أسامة أنور عكاشة الأسبوع الماضي، يسدل الستار على فصل مهم من تاريخ الدراما التلفزيونية.. تاريخ حمل نكهته الخاصة، وسماته المتفردة، تاريخ كان للكاتب الراحل فيه امتياز التكريس والحضور المهم..
وإذا كانت الثقافة المصرية تختزن في ذاكرتها ليوسف شاهين التفرد في عالم السينما، ولنجيب محفوظ الريادة في الرواية، كما لام كلثوم السيادة في الغناء، فأنها لابد من أن تحتفظ لأسامة أنور عكاشة بالفضل في الحضور المهم والنوعي للدراما التلفزيونية، التي استطاعت أن تستقطب جمهوراً واسعاً خلال العقود الثلاثة الأخيرة..وتزامن الصعود المبهر لعكاشة في عالم الدراما التلفزيونية مع بروز هذه الأخيرة كأحد مفردات البث التلفزيوني التي لا يمكن أن يخلو منها أي منهاج.. وربما لا يعرف الكثيرون أن الكاتب الراحل دخل عالم الدراما من بوابة الأدب، وتحديداً من الرواية والقصة وأعماله الأخيرة (وهج الصيف) و(سوناتا لتشرين) في السنوات القليلة الماضية، امتداد لإعمال بدأها قبل أن يلج الدراما التلفزيونية.. ولعل فطنة عكاشة واستشراقه لمستقبل هذا الفن هو الذي جعله ينغمر فيه كشفاً وإبداعاً، فضلاً عن جماهيريته – اعني هذا الفن- الذي تكرس بشكل كبير في عصر السماوات المفتوحة، التي أسهمت في نشاط الدراما إنتاجاً وعرضاً وتوزيعاً.. وأيضاً انصراف القراء للصورة التي وجدوا فيها التعبير الأنسب، بعد التراجع الملحوظ للمقروء.. وفي مقدمته المعنونة (الأدب الدرامي) التي تصدرت الكتاب الذي ضم حلقات عمله الأهم (ليلي الحلمية) تحدث عكاشة عن العلاقة بين الأدب والدراما التلفزيونية، وعن إمكانية أن تكون الاخيرة جنس أدبي قائم بذاته يقرا كما تقرأ الرواية والقصة القصيرة، باعتبار إن هذا الجنس قد بسط نفوذه على المتلقي الذي انصرف عن الأجناس المتشابهة الأخرى إليه. ومن هنا وجد عكاشة في الدراما التلفزيونية، السبيل الأنسب لترجمة رؤاه، وإن كانت له في السينما انجازات (كتيبة الاعدام)، (دماء على الاسفلت)، (الهجامة) إلا إنها لم ترتق الى مستوى ما قدمه في التلفزيون.. فأعماله مثل (ليلي الحلمية) و( المصراوية) و(الشهد والدموع) و(زيزينيا).. وغيرها، حفرت عميقاً في ذاكرة المتلقي العربي، وكان ان صادف مخرج فهم تماما اصول الابداع(العكاشي) هو اسماعيل عبد الحافظ وممثلون كبار هجروا السينما من اجل مجد في التلفزيون يصنعه ابداع عكاشة، لتكتمل عنده الصورة التي يريد..ومن مناقب هذا السيناريست الكبير انه اعتمد في موضوعاته الشعبي واليومي والغوص في تفاصيل الناس البسطاء التي بدورها وجدت فيه المعبر عن همومها وانكسارتها..وهو ايضا من اعتمد الوثيقة التاريخية لا بالتناول المباشر بل بالخلق الفني، حيث تكون الوثيقة تاليا للرؤية الفنية. وربما سيمضي زمن طويل قبل ان يجد هذا الفن موهبة تقارب موهبة أسامة أنور عكاشة.
كلاكيت ..مناقب عكاشة فـي الدراما التلفزيونية
نشر في: 2 يونيو, 2010: 05:48 م