حازم مبيضينبالأمس عاد محمود الكايد " أبو العزم " إلى الثرى الذي يعشقه مودعاً بحفيف أصوات مناجل الحصادين في الرمثا، والغناء الشجي لقاطفات الدراق في الفحيص، وعطر ساقيات الياسمين في بيوت عمان العتيقة، وحداء الفرسان ينطلقون من مؤته إلى النصر العظيم،
ومودعاً بالهدب الناصع على كوفيات جند الاردن، وهدير ماكنات الطباعة في الرأي التي سيظل حتى بعد رحيله واحداً من أعمدتها الشامخات، ومخلفاً من بعده سيرة عطرة، وإرثاً عظيماً من الانجاز في الصحافة الوطنية الملتزمة، وتلاميذ ومحبين يصنعون اليوم كل أشكال التطور في الصحافة الاردنية. كان محمود الكايد صادقاً ونزيهاً ومفعماً بروح الشباب التي لم تفارقه حتى في مرضه الاخير، كان سخياً من دون منة، وشجاعاً دون تظاهر، ومعلماً دون ادعاء، لم يهادن مرة في حب الاردن وإن ظلت أشواقه القومية منزرعة في أعماق روحه الوثابة، بصماته المؤثرة في الصحافة الاردنية علامات بارزة لن تنمحي، وقناعاته الوطنية ستظل الملهم لكل من يتبوأ في الرأي منصباً، لم نعرفه مجاملاً في الحق، ولا مداهناً، وكان موقعه على رأس المؤسسة الصحفية الاردنية يمنحه الامكانات لتخريج أفواج من قادة الفكر والرأي وأعلام السياسة، وكان يعرف تماماً كيف ينجح في ذلك محولاً مكتبه في الرأي إلى جامعة لتخريج النخبة من النوابغ.أشعر بفخر عظيم حين أعود إلى مقابلة معه نشرتها صحيفة الغد، واستذكر أنا ومدير عام وكالة الأنباء الاردنية الزميل رمضان الرواشده فيها، وأعتبر شهادته أثمن ما جنيته في عملي الصحفي، وهي التفاتة إنسانية تدل على النبل الذي يكتنزه والذي وسم حياته منذ دخل معتقل الجفرشيوعياً نؤمناً بالماركسية سبيلاً للسعادة، وإلى أن غادر الدنيا محمولاً على أعناق تلامذته ومحبيه من أبناء الصحافة الاردنية أولاً، ومن عارفي أفضاله وهم عصيون على العد، كانت دارته " الكايديه " تشهد في معظم الاماسي تجمعاً لابناء المهنة يتعلمون منه فيها الجديد الذي لم تتح لهم زحمة العمل اليومي الحصول عليه، وكان يعتبرها ملتقى للثقافة والفكر والأدب والاعلام، وهاهي اليوم تتشح بالرمادي المغرق في مأساة رحيل أبو العزم. رحل عميد الصحافة الاردنية والعمود الأمتن في مسيرتها، وتصادف الرحيل المر عشية ذكرى تأسيس الرأي التي كان له الفضل الاكبر في مسيرة نجاحاتها ودفعها لتتقدم الصفوف انتماءً، ولتكون الأسرع نمواً ونجاحاً حتى وصلت الى مقدمة الصفوف في الصحافة العربية، وباتت مدرسة للمهنية الملتزمة ومنارة تشع في سماء الوطن، والرأي إذ تودع اليوم محمود الكايد فانها مع ذكرى تأسيسها تتجدد وفاء لذكراه ولتظل كما أرادها دائماً في مقدمة الصفوف. ستظل سيرة أبو العزم تهطل علينا بعطرها كلما تصفحنا الراي، وستظل صورته تشع كلما سال حبر مطابعها على الورق، وسيرافق محمود الكايد بطيفه الموزعين وهم يوصلونها فجر كل يوم إلى منازلنا، ولنا نحن تلامذته ومحبوه الحزن المقيم على رحيل سيد الكلمة وسيد الموقف، وسلام على روحك الطاهرة.
كلمة وفاء: ويرحل سيد الكلمة
نشر في: 2 يونيو, 2010: 06:14 م