TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > جــــبــران وادب المــهـجر

جــــبــران وادب المــهـجر

نشر في: 4 يونيو, 2010: 04:23 م

عبد الجبار داود البصري حظي الأدب المهجري بعناية الدارسين ونقاد الأدب ومازال كذلك، ولهذا الأدب محبوه ومتذوقوه ، فقد كان فتحا في أدبنا الحديث، فتح عيوننا على مباهج الحياة،وروعة المغامرة و إغراء الحرية ،بعد أن ظل أدبنا أحقابا طويلة نائما في مغارة التاريخ مغمضا عينيه عن مستجدات الحياة مكتفيا بالاجترار من الكتب القديمة ،وكد الذهن لا في توليد المعاني البكر،
 بل في تنميق الكلام و الولوع بالأسجاع واللهاث وراء التورية وفي مباركة الأوضاع القائمة وهي أوضاع مزرية تميزت بالركود الاجتماعي والتأسن الثقافي والاستبداد السياسي وكانت غاية الأدب أن يصل إلى البلاط مسبحا بحمد الحاكم آناء الليل وأطراف النهار لتحقيق مآرب شخصية مضحيا بمصلحة الجماعة لحساب المصلحة الشخصية  خرج الأدب المهجري إذا من رحم المعاناة مبشرا بعصر الخصوبة وبقيام طائر العنقاء من رماده صحيحا معافى وهو يحمل معول الهدم منقضا على سفاسف الماضي معليا صرحا جديدا من الأدب الخلاق المتميز بصدق الشعور ونزعة التجديد والغيرة على حاضر الأمة ومستقبلها متزودا من الثقافة العربية الأصيلة والغربية البناءة ، مستفيدا من أرض ترعرع فيها هي الأرض الجديدة – أمريكا الشمالية والجنوبية – حيث للفرد قيمة وللعلم المكانة الأولى - إنها مجتمع الصناعة والتقدم و الإبداع والرفاه المادي والمعنوي وكل هذه العوامل مجتمعة وجدت صداها في عقول وضمائر و إنتاج أدباء المهجر الأدبي والفكري . ونحن في هذا المقال راصدون لقيم إنسانية تضمنها الأدب المهجري تاركين القيم الأخرى كالجمالية والفكرية لمقالات أخرى و إنه لحقيق بنا نحن ورثة هذا التراث الأدبي الضخم أن نتمثله كما يتمثل الجسم الغذاء صانعا منه نسغ الحياة و أسباب الحصانة وعوامل القوة خاصة ونحن نعيش في عصر تميز بالتطرف الديني والنزاع الطائفي وسيطرة الفكر العبثي السلفي أو العدمي التغريبي خاصة ومجتمعنا العربي يحمل في ثناياه اختلافات مذهبية هي في الأصل مصدر ثراء له ولو أنه يراد لها أن تكون عوامل تصدع وفرقة ، أضف إلى ذلك انفتاح العالم وتطور المعلوماتية في أرقى تجلياتها — أي الثورة الرقمية – وسيطرة المؤسسات الاقتصادية العابرة للقارات والتي غزت أسواقنا بمنتوجاتها الغثة والسمينة وما نحن في حاجة إليه وما نحن في غنى عنه والتي أدت في النهاية إلى تسطيح الفكر والشعور والجري وراء بريق الألفاظ دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن المضمون،إنها عولمة حولتنا إلى كائنات طفيلية مستقبلة ومستجيبة لكل المثيرات الواردة من الضفة الأخرى ، وكأن صرخة المهجريين في النصف الأول من القرن الماضي ذهبت أدراج الرياح فقدعدنا إلى الدجل على حساب العقلانية و إلى الطائفية على حساب التسامح الديني وإلى التقليد على حساب الاجتهاد و إلى العبودية على حساب الحرية و إلى الشكلانية على حساب المضمون ، وما أحرانا اليوم أن نعود إلى تلك القيم الإنسانية التي تضمنها الأدب المهجري وصدع بها وعاش لأجلها فهي التي ستعصمنا من الغرق في خضم الحضارة الحديثة .فما مجمل القيم الإنسانية التي تضمنها هذا الأدب ؟ لعل أول قيمة من قيم الأدب المهجري هي التسامح الديني ولقد عبر عن هذا المعنى أبلغ تعبير الأديب اللبناني الكبير مارون عبود ، وهو إن لم يكن مهجريا فقد تميز في حياته وفي فكره بهذه الخصيصة خصيصة التسامح الديني قال عبود :" سميت ابني محمدا نكالا في أبي الذي أسماني مارون " . و إن كان فحوى هذه المقولة التأكيد على مبدأ العروبة فاسم محمد أ لصق بالفكر والانتماء العربيين من اسم مارون، إلا أن العروبة و الإسلام لصيقان لا يمكن الفصل بينهما وهذا ما عناه كاتب عربي ماروني هو الأستاذ مارون عبود ، وهو بذلك يؤكد انتماءه لحضارة الإسلام ، لقد كان شعراء المهجر وجلهم من المسيحيين يعتبرون الإسلام بعدا روحانيا وفكريا مهما في تكوينهم النفسي و العقلي فضلا عن كونه رابطا قوميا لذا تراهم يذكرون الإنجيل إلى جانب القرآن ومحمدا إلى جانب يسوع في تآلف ومودة ، قال الشاعر رياض المعلوف وقد كان مغتربا في البرازيل من قصيدة " الله والشاعر" يا صاحب الملك الذي لا ينتهيأبدا وسدته الملأ والسرمـــدفالشعـــر في إنجيلنا وكتابناوالشاعران هما المسيح و أحمدو تأمل أيها القارئ استخدام الشاعر لضمير الجماعة في قوله" كتابنا " وهو يقصد القرآن الكريم مؤكدا انتماء المسيحيين العرب لحضارة الإسلام. و أما الشاعر القروي رشيد سليم الخوري المغترب في البرازيل والذي عرف بنزعته القومية الحارة وغيرته على الأمة العربية وقد كرس شعره داعيا إلى الحرية والعزة ، ها هو في صرخته ضد الباطل يدعو إلى الأخذ بأسباب القوة والتضحية في سبيل عزة الوطن مقتبسا عن القرآن الكريم معنى الآية الكريمة : " و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" ولم تثنه مسيحيته عن الانتصار لهذا المبدأ القرآني يقول القروي :أحبوا بعضكم بعضا وعظنابها ذئب فما نجت قطيعـــاإذا حاولت رفع الضيم فاضرببسيف محمد واهجـر يسوعاوتراه في قصيدة أخرى بمناسبة عيد الفطر يمتدح النبي محمدا- عليه الصلاة والسلام- ويفرح لرؤية الهلال يعانق الصليب بعد أن تنجلي غاشية الاستبداد و الاستعمارأكرم هذا العيد تكريم شاعريتيه بآيات الن

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram