TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > المصارع مهدي زنو

المصارع مهدي زنو

نشر في: 6 يونيو, 2010: 05:07 م

شيخ شارف على عتبة الثمانين، ومع ذلك فأنه عندما يتحدث اليك، مستذكراً ماضيه وبطولاته، يحرك يديه بنشاط جم، ليصف لك المسكات الفنية التي كان يمارسها ضد خصومه ويلحق بهم الهزيمة، محققا بذلك الفوز ومنتزعاً التصفيق والاعجاب من الحضور.. مهدي الزنو، المصارع الذي لم يعرف الهزيمة طوال خمسين عاما، التقيناه به ليحدثنا عن بعض ذكرياته ونجاحاته.
لم اكن اتصور قبل السنوات التي صارت ذكرى، انني سأقطع هذه المرحلة الطويلة، لأنعم النظر بما آل اليه العراق، في ظل هذه السنوات المتبقية من عمري، ولم اكن اتصور ان بغداد ستكون على ما هي عليه الان من العمران في ابنيتها وأروقتها ومن الوعي والثقافة.. ان لبغداد اليوم نكهة تختلف عما كانت عليه.. وانني احمد الباري تعالى الذي منحني العمر، لأشارك اولادي واحفادي في هذه المرحلة من حياة شعبنا الوفي العريق. قلت للحاج مهدي، متى بدأت المصارعة، وكيف اخترتها؟! قال: لقد كان والدي مصارعا، وكانت حلبته في صحن دارنا، وكنت اجد صحبه يتجمعون عنده كل يوم، يتمرنون وينازلون ومن يومها، وقعت المصارعة في نفسي وعلقت بها، فأخذت تقليد الكبار في حركاتهم بيد انني وجدت الادوات ثقيلة على بدني الصغيرن فاضطر والدي وقتها ان "يوصي" على ادوات تمرين تتناسب وقدرتي، ولما بلغت مبلغ الفتوة، قررت الانتساب الى مجموعة من المصارعين وكان يشرف على تدريبهم في حينها رجل مشهور وقتئذ هو الحاج محمد البريسم ، ولم يكن الانتماء الى مجموعة المصارعين سهلا، فأنه كان يتوجب على المنتمي ان يكون هادئا رزناً صابراً مسامحاً قوياً. وقد بقي طلبي معلقاً قرابة اشهر اربعة حتى تمت الموافقة بعد ان تأكدوا بأنني اتمتع بالصفات المطلوبة. ويسترسل مهدي الزنو في حديثه بعد ان يشير بسبباته باتجاه الصالحية. ايام الاحتلال بدأت اول مباراتي، حيث لم تكن الصالحية كما هي الان، فقد كانت عبارة عن بستان للاشجار، حضر المباراة "كوكز" وجنود من الانكليز والهنود، وابناء قواتنا المسلحة إضافة الى المئات من المتفرجين وكان "كوكز" وجنده يشجعون خصمي الهندي الذي يمثلهم. لم تكن الارض مفروشة، ولم تكن المباراة بجولات بل كان الاتفاق ان تكون جولة واحدة. قد تستمر لعدة ساعات وما ان بدأ النزال، حتى وجدتني افقد السيطرة على خصمي (محمد غلام) وبقيت كذلك قرابة عشر دقائق لقد كان من الوزن الثقيل ويكبرني سنا وخبرة، ولكن الذي جعلني استعيد قوتي، الاصوات المرتفعة المشجعة المنبعثة من صوب ابناء بلدي فتخلصت من "مسكته" وانقضضت عليه كالنسر وصرعته، وعندها لم يتمالك واحد من الحضور نفسه لهذا النصر الذي حققناه، حتى ان البعض منهم اخذ يرمي كل ما جيبه من "روبيات" على رأسي.. ويسكت المصارع "زنو" برهة ثم يضيف ، في عام 1927 "توجهت الى البصرة وقد استقبلت من قبل المهتمين بالعبة، وطلبوا الي مهمة الاشراف على تدريبهم ونفذت ما طلبوا وتبارينا كثيراً، غير ان حبي للتنقل جعلني اترك البصرة ، فتوجهت الى العمارة، وهناك استقبلني سعيد الصفار حيث كانت لديهم حلبة في سوق "ناظم آغا" فتباريت مع كل من تحداني وصرعته ، وبعدها نزعت الى محافظة كربلاء والتقيت بالمصارع المعروف، حسن كبابي، وكان هذا مصارعا قويا وشرسا ،واذكر انه لما بدا النزال غرس قدمه في الارض بحيث لم اتمكن من من زعزعتها" فكأنها ثبتت "بالمسامير". ولما بقي على تلك الحال فترة، نشر الحكام قطعة القماش في الهواء معلنا انتهاء الجولة، حيث لم تكن هناك "الصفارة" التي تستعمل اليوم من قبل المحكمين، وقد ارجئت بعد ذلك المباراة بيني وبينه ولم نلتق. وفي عام 1936، وصل الى العراق المصارع الالماني المشهور "هركرير" وعندما التقينا وصافحته، صرخ مستغيثاً من الالم الذي الحقته بأنامله. لقد اردت ان اختبر قوته فأذا به يصرخ ثم يرفض منازلتي مدعيا بأنني وحش! *وسألت الحاج مهدي: ألم تخض نزالات مع مصارعين عرب؟ - قال: نعم..ففي عام 1938، حل علينا مصارعان من مدينة حلب، الاول يدعى يوسف برز والثاني عبدو صعب، وكان الاول يتقن اسلوبا في المباغتة ، كما قال قيل عنه ، ومع ذلك قررت ان انازله ، حفاظا على اسمي وجرى النزال، وقد وجه لي ضربة بادئ الامر، لم اكن منتبها لها. ومع ذلك فقد استعدت وضعي وصرعته بعد جهد، وقد حملتني الجماهير على الاكتاف وسارت بي في شارع الرشيد ذلك لان المباراة كانت قد جرت في "سينما غازي" في الباب الشرقي.*وعن علاقته بالمصارع عباس الديك يحدثنا:" زنو" فيقول: لقد كان الديك مصارعا وبطلا، وقد حاول البعض ان يحفزنا للصراع، وقد بلغ بي الامر ذات يوم بأن اذهب الى "الديك" وطلبت اليه المبارزة ، غير انه هدأني، وأقر امام بعض الصحب انه يعترف بي بطلاً، من دون اللجوء الى المبارزة..    *وسألت الحاج، "زنو" عن موقف حرج او طريف صادفه في حياته المديدة فقال: كنت اتهيأ ذات مرة لمصارعة خمسة اشخاص كل على حدة، وخلال التمرين انزلقت قدمي فاصبت برضوض وتمزق.. ولما أشرت في بادئ كلامي انه يتوجب على المصارع ان يكون صبورا فقد، "صبرت" ونازلت المصارعين الخمسة حيث تغلبت عليهم ثم ذهبت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram