حازم مبيضينيحاول بعض أيتام البعث الصدامي إيهامنا بأن غياب ذلك النظام الدكتاتوري، الذي حكم العراقيين بالدم والرعب والإرهاب، هو السبب المباشر لحالة الفوضى، التي سادت بلاد الرافدين لفترة من الزمن، بعيد سقوط الصنم في ساحة الفردوس، وينسى هؤلاء أن كل ما حل بالعراق إبان الحكم الصدامي، وبعد زواله إنما هو نتاج الفكر الذي كان يحرك ذلك النظام، وأن العراقيين يحصدون اليوم ما زرعه الصداميون،
الذين أحالوا أرض السواد إلى أرض سوداء، وحاولوا بكل طاقتهم تلطيخ القلوب بذلك اللون القاتم، بعد أن انتزعوا من شوارع بغداد والموصل والبصرة وأربيل والحلة كل منارات الفرح والمحبة، وحاولوا أن يحلوا بدلها بؤر الحقد والكراهية .الذين يستعجلون نتائج سقوط نظام صدام، وكأن الأمر يتم بلمسة ساحر، يتجاهلون، بعضهم متعمداً، والآخر بغير قصد، أن مسار تاريخ الدول ينحرف ويتعدل ويتبدل ببطء يتناسب مع حجم التغيير الطارئ، سواء على طبيعة النظام السياسي، أو سلوك المجتمع إزاء ذلك التغيير، كما أن الأمر مرتبط بتأثير الدول والمجتمعات المحيطة بالدولة التي يتم فيها التغيير، وفي الحالة العراقية يتزايد تأثير هذا العامل، بسبب تدخلات العوامل الدينية والطائفية والعرقية، وتضارب مصالح دول الإقليم التي رأت في الساحة العراقية خاصرة رخوة " مؤقتاً " تنفذ من خلالها لفرض أجندات معينة، وتحقيق مصالحها الخاصة ولو على حساب دم العراقيين، أو مستقبل دولتهم، وبغض النظر عن إن كانت هذه الدولة ستستمر بجغرافيتها التي عرفت بها منذ سقوط الدولة العثمانية أوائل القرن الماضي.التأثير الحقيقي لزلزال التغيير في العراق، سيكون في تغيير وجه المنطقة، بنقلها من حالتها الراهنة إلى حالة متقدمة، تسود فيها الديمقراطية الحقيقية، وتكون لشعوبها الكلمة الفصل في طبيعة الأنظمة الحاكمة، ولعل هذا هو ما دفع بعض الأنظمة لمناصبة العراق الجديد العداء، ومحاولة إجهاض تجربته الوليدة، سواء من حيث المقاطعة غير المعلنة رسمياً، أو دعم عمليات الإرهاب وتسميتها بالمقاومة، أو تقديم الدعم لبعض الكيانات السياسية، على قاعدة الفكر الطائفي الذي أريد له أن يظل في واجهة المشهد السياسي الملتبس مرحلياً، وعلى أمل أن يكون دائماً ومستقراً، وهو ما أثبت الشعب العراقي أنه لن يتحقق، إضافة إلى عدم إمكانية العودة لما كان سائدا.العارفون بحجم التأثيرات المنتظرة بعد سقوط الحكم الدكتاتوري وعمقها، ينظرون إلى ما يجري في العراق كأمر طبيعي، وإن كانوا يتمنون عدم حصوله، أو عدم طول الفترة التي يستمر فيها، والديمقراطية الوليدة ستنمو ولو بطيئاً، والمكونات الطائفية والعرقية ستنال حقوقها في عراق الغد، ولن يكون التهميش وارداً، والعراقيون اليوم يدركون أن افتعال الصراع الطائفي كان لأسباب سياسية، وجرت تغذيته من أكثر من طرف، والأحداث الأخيرة أثبتت أن ذلك الصراع لن يتمكن من تسيد الموقف مهما نفخ الناعقون في الكير، والتأثير الكبير لانهيار حكم العائلة والحزب القائد والطائفة الواحدة، سيكون على المنطقة بمجملها وستستفيد منه الشعوب المغلوبة على أمرها. العراق الديمقراطي هو نقطة البداية والانطلاق نحو مشرق عربي تنعم شعوبه بالحرية في اختيار حكامهم، وحقهم في محاسبتهم وتغييرهم إن كان عملهم خاطئاً، ولذلك يواجه اليوم كل هذه الحرب الشرسة، ويتصدى أبناؤه بصدورهم وعقولهم لكل هذه المؤامرات، وسيكون انتصاره مفتاحاً للعديد من انتصارات الشعوب المقهورة، التي ستشجعها تجربته على عدم السكوت على الظلم والحيف والاضطهاد.
كلمة وفاء:سقوط صدام واستعجال النتائج
نشر في: 7 يونيو, 2010: 05:32 م