وديع غزوانمنذ البدايات الأولى لظهور المجتمعات الإنسانية، كان الشغل الرئيس للإنسان هوالبحث عن الغذاء لديمومة الحياة واستمرارها، ومع تطور هذه المجتمعات ونمو حاجات الإنسان صار هذا الموضوع محور الصراعات على مر العصور والأزمان، وبرغم ما بذله الأنبياء والرسل والمصلحون الاجتماعيون من جهود عظيمة وأفكار مخلصة وصادقة بهدف ضمان حصول الإنسان على قوته وتحريم استئثار طبقة على أخرى واستغلا لها،
فان المشكلة بقيت محل قلق كبير بسبب نتائجها الوخيمة التي وصلت الى حد الحروب من اجل سيطرة الدول القوية على المصادر الأولية الغنية في الدول الأخرى.ومن دون ان نغور عميقاً في التاريخ الإنساني القديم، يكفي ان نشير الى ان التاريخ المعاصر شهد أفكاراً إنسانية بهذا الاتجاه رفعت شعارات العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بشكل عادل.. أفكار تراوحت بين دعاوى إصلاحية وأخرى اشتراكية، رسمنا، نحن شعوب ما يسمى بالعالم الثالث، بين طيات نظرياتها أجمل أحلامنا التي لم تجد النور وتلاشت في خضم الصراعات الدموية على السلطة.اليوم وبعد مضي أكثر من ألف وأربعمائة وثلاثين عاماً على الدعوة الإسلامية وما سبقتها من دعوات سماوية، نادت كلها باحترام الإنسان وتوفير احتياجاته الضرورية وفي مقدمتها الغذاء. وبعد مضي أكثر من تسعين عاماً على ظهور أول تجربة اشتراكية في الاتحاد السوفيتي عام 1917 وانهيارها بشكل دراماتيكي في 1991، ما زالت غالبية شعوب المعمورة تئن تحت وطأة الجوع والحرمان حتى في الدول الرأسمالية المتقدمة التي تحاول التستر على عيش عدد غير قليل من مواطنيها بأعذار شتى لتجميل صورة نظامها الذي كان وما زال السبب في بؤس وشقاء الإنسانية.اليوم وبعد كل التضحيات التي قدمتها البشرية وأحلامها السعيدة تصحو مرة أخرى على جوعها وعلى دعوات باهتة وغير مجدية من المنظمات الدولية لوضع برامج للقضاء على الفقر، ومع التقدير العالي للجهد الخير لهذه المنظمات، الا ان الأيام أثبتت بما لا يقبل الشك ان العبرة بالالتزام الحقيقي للدول والأنظمة بهذه البرامج وتشخيص دقيق لأسباب الفقر الذي يعيشه العالم.في العراق، وبسبب ما يمتلكه من ثروات، ربما كان ينبغي ان نحتفل قبل غيرنا بالقضاء على الجوع، غير ان سوء إدارة الأنظمة السابقة والحالية لها، جعلنا نلعن هذه الثروة التي لم تجلب لنا غير الحروب وسفك الدماء الزكية.وإذا كانت بعض محافظات العراق ومنها محافظات إقليم كردستان قد شاركت بفاعلية في المسيرة الإنسانية الرمزية التي أقامها برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة امس الاثنين،التي قال عنها مسؤول مكتب برنامج الغذاء العالمي في أربيل انها تهدف الى توعية المواطنين بشأن ظاهرة الفقر وجمع التبرعات للفقراء والأطفال بشكل خاص والمحتاجين، فان ما نأمله ان تكون هذه المناسبة حافزاً للمسؤولين لوضع حد للهدر والإسراف في ثروات الوطن وحرمان الغالبية العظمى من مواطنيه من التمتع بها.وإذا كان من حقنا ان نفتخر بما تحقق في إقليم كردستان من إصلاحات كان من نتائجها تقليل نسبة الفقر قياساً بمحافظات العراق الأخرى، فان ما نطمح اليه وضع برامج واقعية تسهم بشكل حقيقي في القضاء على الجوع والفقر في كل العراق ونعتقد ان من المعيب ان يوجد بيننا من يشكو الجوع ونحن نمتلك كل هذه الثروات.تمنياتنا بالنجاح لكل الجهود الخيرة للأمم المتحدة ومنظماتها ولكل فعل خير يصب في تقليل نسبة الجوع في العالم مع قناعتنا الراسخة، بان ما مطلوب إجراءات قوية تشخص أسباب الفقر المستشري في العالم ومسببيه، مع ان هذا مطلب صعب في عالم الغلبة فيه للاقوى!.
كردستانيات: القضاء على الجوع
نشر في: 7 يونيو, 2010: 05:53 م