رشيد الرماحي كعادته كان ينتظرني في غرفة الاستقبال القديمة التي توحي لك وانت تجتاز بابها للوهلة الاولى ان كل شيء هذا اصبح اثرا تاريخيا يعود الى سنين طويلة مضت بدءاً بكراسيها ومناضدها.. مرورا بالمكتبة التي ناءت بما تضمه من كنوز الكتب التاريخية والمخطوطات والصحف والمطبوعات الاخرى، وانتهاء بقدح (الاسكنجبيل) الذي ينتظرك ولابد ان تتذوقه لتطري محاسنه حتى يكون جواز مرور لتتحاور معه!رحلة السبعين!
*وكان هو الاخر قد عاد لتوه من رحلة المشي اليومية التي يقطع خلالها شارع ابي نواس ذهابا وايابا حتى يصل داره في منتصف شارع الكرادة ليتناول العشاء ثم ينام في الثامنة مساء حتى يستقيظ في السادسة من صباح اليوم التالي ليزاول نشاطه.. يقرأ الصحف اليومية اولا ثم ينتقل الى برنامجه الاعتيادي في البحث والتأليف وملاحقة كل ما استجد في حياتنا السياسية ليضيفها الى اهم ما انجزه في حياته التي تجاوزت اليوم السبعين بسنتين، تاريخ الوزارات العراقية في طبعته الموسعة ومن هنا كانت بداية حواري مع عبد الرزاق الحسني الذي ولد في سوق العطارين بالشورجة عام 1903 من عائلة تقرض الشعر، تتعاطى الادب وتمتهن العطارة لذا سميت بآل العطار.. كيف نحدد اهمية هذا الكتاب؟ قلت له؟ اجاب: لقد طبع هذا الكتاب اربع مرات وانا في طريقي الان لتقديم الطبعة الخامسة منه ولم اكن اتصور يوم شرعت في تأليفه قبل خمسين عاما انه سيطبع اكثر من مرة، او انه سيكون في مقدمة المراجع لمن يريد ان يكتب في تاريخ العراق السياسي الحديث ولكن الكتاب اخذ طريقه وانا اكثر دهشة من غيري لهذه المفاجأة فقد لاحظت ان جل من كتب عن العراق الحديث سواء اكان عراقيا ام عربيا ام اجنبيا وفي مختلف اللغات قد استعان بكتابي هذا وببقية كتبي التي تجاوزت الثلاثين ان لم يكن قد اتخذ من هذه الكتب مصادر رئيسة للبحوث والكتابات التي توهت عنها. وعلى ذكر تاريخ الوزارات العراقية فانه يقع في عشرة مجلدات المؤلف من بعده تاريخ العراق السياسي الحديث خلال اربعين عاما وهو تحدث عن اول وزارة تشكلت في 25 تشرين الاول عام 1920 وحتى 13 تموز عام 1958 حيث بلغت تسعا وخمسين وزارة شارك فيها مئة وخمسة وسبعون وزيرا بين كهل وشاب بضمنهم ثلاثة وعشرين رئيسا للوزراء!وما سر اهتمامك بهذا التاريخ؟ -في البداية ولعت بالصحافة وكنت ما ازال طالبا في دار المعلمين العالية ثم زاولتها بعد تخرجي حيث اسست مطبعة في الحلة الفيحاء وكنت انذاك اتابع ما يجري في مجلس النواب والاعيان من مناقشات ومهاترات ، وما زلت اتذكر ان وزارة عبد المحسن السعدون الثانية رشحت حكمت سليمان لرئاسة مجلس النواب في 1/6/1926 ولكن المعارضة انتخبت رشيد عالي الكيلاني للرئاسة المذكورة الامر الذي ادى الى سقوط وزارة السعدون وهذا ما جعلني ادرس ظروف الوزارات واحوالها وما يجري في كواليس ردهاتها حتى اذا تجمعت لدى مادة دسمة عنها نشرت سلسلة مقالات في جريدة (بريد العراق) ثم تطور الامر حين اعدت الى الخدمة في الحكومة فانتدبت للعمل في مجلس الوزراء في مفتتح عام 1949 فعهد الي تنظيم سجلات خاصة بتاريخ الدولة على غرار المؤسسة العثمانية (وقعي نويس) وقضيت في ديوان مجلس الوزراء اربع عشرة سنة استفدت خلالها من وظيفتي بعد ان كنت اعتمد على الاخرين في الحصول على وثائق لتصبح مادة جديدة لكتاب جديد عن تاريخ الوزارات العراقية. وماذا تذكر عن فترة الوظيفة؟ -اذكر انه تعاقب على رئاسة مجلس الوزراء اثنا عشر رئيسا كان اخرهم البكر ولم يتدخل احد منهم في عملي.. ولم يمسسنِ سوء من واحد منهم حتى احلت نفسي على التقاعد وكان ذلك عام 1964. rnمقالات بلدانية! ماذا اريد ان اقول عن الحسني وهو يستعد للسفر الى لبنان ليطبع وللمرة الخامسة موسوعة تاريخ الوزارات العراقية بعد ان توفرت له فرص جديدة للاستفادة من وثائق وزارة الخارجية البريطانية التي وضعتها بين ايدي الباحثين والمتتبعين، وكذلك ما طرحه المركز الوطني لحفظ الوثائق في بغداد.. ان الحسني بحد ذاته موسوعة ينبغي المحافظة عليها والاستفادة منها الى اخر لحظة من عمره الذي نتمنى ان ويطول. rnملحق جريدة الجمهورية (بغداد) 5/7/1975
رحلة السبعين عاماً مع تأريخ العراق يرويها عبد الرزاق الحسني
نشر في: 9 يونيو, 2010: 05:01 م