رفعت عبد الرزاقلقد لحظ الأديب أمين الريحاني أنّ هناك شبهاً بين تولستوي وبين الشاعر العربي أبي العلاء المعري. وكثيراً ما قارن الكتاب العرب والشعراء والنقّاد بين تولستوي والمعري. هل هناك شبه بين الكاتب الروسي والشاعر العربي؟ يوجد ولا شك، عاش أبو لعلاء في سجون ثلاثة:
فلا تسأل عن الخبر النبيث أراني في الثلاثة من سجوني وكون النفسِ في الجسم الخبيثِلفقدي ناظري ولزوم بيتي حاول أبو العلاء المعري اعتزال الناس فأخفق بعض الإخفاق، يكتب طه حسين".... ولكن داره لم تلبث أن استحالت إلى مدرسة يؤمها الطلاب الكثيرون من أبعد الأقطار الإسلامية وأدناها! منهم من يأتي من خراسان، ومنهم من يأتي من اليمن، ومنهم من يأتي من غير هذين القطرين... وكلهم يطلب عنده العلم والأدب(19ص376) . ويتابع طه حسين حول هذا الموضوع:"ولكنه على كل حال قد حقق بعض ماكان يريد، وعصم نفسه مما كان يخشاه، فلم يتصل بالأمراء ولا بالرؤساء،(19ص377) .لزم أبوالعلاء داره لا يبرحها نصف قرن، وكذلك فعل تولستوي الذي لزم بيته وسكن في قريته حيث أمضى معظم وقته. لم يثق أبو العلاء إلا بالعقل:ن ينص وتوراه وإنجيل دين وكفر وأنباء تقص وقرآفهل تفرّد يوماً بالهدى جيل في كلّ جيلٍ أباطيل ملفقة رفض أبو العلاء الكتب الدينية كافة، وجعلها أباطيل ملفقة لا تثبت حقاً ولا تنفي باطلاً. وكان أبو العلاء المعري في حيرة.يقول أبو العلاء في تناسخ الأرواح:إلى غيره حتى يهذبه النقل يقولون إنّ الجسم ينقل روحه إذا لم يؤيد ما أتوك به العقل فلا تقبلن مايخبرونك بّهوكما نعلم فإنّ تولستوي رفض فكرة تناسخ الأرواح التي دعاه إليها المهاتما غاندي.دعا سخط أبي العلاء على ما رأى وقرأ من ظلم الملوك والأمراء إلى التفكير في مصدر السلطة التي أتيحت لهم، فلم ير لها مصدراً إلا الأمّة التي استأجرت حكامها ليقوموا بمصالحها العامة. وكره أبوالعلاء المعري تقسيم الناس إلى فقراء وأغنياء، وكذلك كان المفكر الروسي تولستوي.ورأى أبو العلاء أنّ تكريم الميت في دفنه مباشرة بلا طقوس وتقاليد معتادة، وكذلك أوصى تولستوي بدفنه بعد موته مباشرة ودون اهتمام زائد. وبالفعل هكذا دفن تولستوي كما أوصى في قبر متواضع وبدون صلاة على جثته ودون وضع صليب على قبره.أخذ أبو العلاء من أهل الهند تحريم لحم الحيوان، فلم يتناول لحم الحيوانات والطيور وحرم ذبحها، وكذلك كان تولستوي نباتياً.لقد مرض أبوالعلاء فوصفوا له الدجاج فامتنع وألحوا عليه حتى أظهر الرضا فلما قدم إليه لمسه بيده فجزع، وقال: استضعفوك فوصفوك، هلا وصفوا شبل الأسد! ثم أبى أن يطعمه. آمن كل من أبي العلاء وتولستوي بوجود خالق لهذا الكون، ولكنهما انتقدا رجال الدين. كثيراً ما نظر إلى أبي العلاء المعري على أنّه فيلسوف، وكذلك فهم تولستوي مع أن كليهما أديبان عالميان. ومن المعروف أنّ المعري استقى الكثير من آرائه من الفلسفة الهندية وكذلك تولستوي.ويؤكد الدكتور نزار عيون السود أنّ تولستوي قرأ "رسالة الغفران" للمعري، التي كما يذكر الباحث ترجمت إلى اللغة الروسية في عام (1903) (80ص87) .وكثيراً ما نجد موازنةً بين ليف تولستوي وبين أبي العلاء المعري في مقدمات ترجمات مؤلفات ليف تولستوي إلى اللغة العربية.* * *رثاء أحمد شوقي لتولستوي:بنى الشاعر أحمد شوقي (1868-1932) ، الذي عاصر مصطفى لطفي المنفلوطي رثاءه لتولستوي على شكل حوار بين الكاتب الروسي وبين الشاعر العربي أبي العلاء المعري.يصف أحمد شوقي الكاتب الروسي بالحكمة والشجاعة، فعليه يحزن الفقراء والمساكين، لأنّه نصير الضعفاء، ومن الصعب على الإنسان الفقير أن يجد لنفسه نصيراً. يبكيه الفقراء لأنّه منارتهم ويبكيه المؤمنون، لأنّه أخذ من الدين جوهره، وإذا كان لابدّ من طقس الاعتراف فيجب أن نذهب ونعترف بخطايانا إلى تولستوي وليس إلى الكاهن، لأنّه دافع عن الفقراء، ضد ظلم الأغنياء، ولأنّه ناضل ضد الحروب بكل أشكالها، ونادى بالمحبة، يكتب أحمد شوقي في مطلع قصيدته التي بعنوان "تولستوي":ودمعها عليك، ويبكي بائس وفقير (تولستوي) ، تُجري آية العلم وما كل يوم للضعيف نصير وشعب ضعيف الركن زال نصيره وأنت سراج غيبوه منير) ويندب فلاحون أنت منارهم ويرى شوقي أنّ تولستوي يشبه السيّد المسيح فيقول:عليهم، وتغشى دورهم وتزور تطوف كعيس بالحنان وبالرضى ويرى شوقي أنّ تولستوي يخدم لب الدين، ويخدم الناقمون عليه قشور الدين، ولعل كل كتاب من كتبه يشبه الإنجيل في قدسيته، وسمع شوقي عن هرب تولستوي من بيته. ويتابع قوله فيرى في تولستوي علماً مثله مثل أبي العلاء المعريوجاور (رضوى) في التراب (تُبير) إذا أنت جاورت (المعري) في الثرىويجري أحمد شوقي حواراً بين أبي العلاء المعري وبين تولستوي الذي زهد بالمال وهو لديه وفير، وبالشهرة وهو كالشمس معروف في كل بلدة، وعاش طويلاً متمسكاً بأفكاره الإنسانية ويسأل المعري الكاتب الروسي: هل حل الخير مكان الشر. والمحبة مكان الكراهية؟ وهل ان
تولستوي في الثقافة العربية
نشر في: 11 يونيو, 2010: 04:26 م