اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > أحزانُ الشاعر العراقي.. مدوَّنةٌ لشاهدٍ حرثتهُ المساحي

أحزانُ الشاعر العراقي.. مدوَّنةٌ لشاهدٍ حرثتهُ المساحي

نشر في: 11 يونيو, 2010: 05:15 م

أسامة الشحمانيلا وجود لمعنى حقيقي في نص شعري، وإن تعددت وجوه القراءة واختلفت ستراتيجيات التلقي، ولكن هناك نصوص شعرية تشكِّل وسائط نفهم عبرها و ما تحظى به من قوة مرئية أنفسَنا، وتمنحنا خصوصية انتظامها في سياقها الثقافي أدلة على وجودنا كشهود عيان على ما ورد فيها من احداث
و وقائع لا تتيح قدراً كافياً من الاحتمال، لأن معانيها تنزع الى الحقيقة و حضورها في الذاكرة الجماعية يشكِّلُ علامات يقينية ترتفع نسبة إشتراك المتلقي في إنتاج دلالته. فما الذي يحدث لتلك النصوص على مستوى بناها الرمزية والتأويلية حين توكلُ إليها مهمة التحايث المباشر مع يوميات موتٍ مجاني يتموضعُ في كلِّ شيء، وكيف يعبِّرُ النص، بوصفه حدثاً لا يعيدُ نفسه عن تواريخ و محن ما فتئت تعيدُ نفسها، من دون أن يتساوق معها فتحوَّله الى شهادات وفاة مستنسخة؟ يختلفُ فهم التراجيديا في الشعر الحديث عنه في أجناس أدبية أخرى فيبدو في بعض النصوص صيغة واحدة لدلالات متعددة، وفي نصوص أخرى دلالة واحدة بصياغات مختلفة، وإذا حصرنا ما نريده من هذا المفهوم في دائرة الموت وتجليات الغياب، ولا شك في كون هذه الدائرة هي من البنى العقلية اللاشعورية التي تشترك في التعبير عنها كل الثقافات الإنسانية بصرف النظر عما بينها من إختلاف وتباين، فسنجدُ أيضاً ما يميِّز الثقافة العراقية عن سواها، فضلاً عمَّا لها من عمق زمني في التجربة البشرية، وهو أنَّ أهم محكيات المتخيَّل فيها، شعراً ونثراً، رسماً وموسيقى تأسَّسَ على أرثٍ تاريخي عتيق من سلالات حزن ثري وموت موجود وجوباً. الغياب والقطيعة في هذه الثقافة هو أكبر من الحضور والتواصل، ولذا تستبطن أهم نصوص المدونة الشعرية العراقية تراجيديا ذات قوة مرجعية أصليِّة تشدها لمحاكاة الفعل الواقعي المنغرس في عمق الذاكرة الجمعية، على أنَّ ثخانة الحزن هذه لم تجعل الوظيفة المرجعية للنص رسالةً بارزةً تتجلى على حسابِ وظيفةٍ شعرية متوارية. إذا غادرنا الجانب النظري للبحث عن نصوص شعرية كانت وسيطاً بين مقومات الموت العراقي كحدث متكرر وحكايته داخل نسائج اللغة الشعرية فسنعثر على نتاج ضخم تربط بين أجزائه ولاءاتٌ مشتركة توحِّد إشتغاله على هذه الفكرة في مداريها الذاتي والإجتماعي، ولكن وحدة ارضية هذا النتاج لا تعني عدم سعة مساحتها وتشعب جذورها، ولذا لم يؤدِ اشتراك مقومات تلك النصوص الى إلغاء فرادتها وظهورها وكأنها نسخاً مكررة. و يمكننا تلمس هذه الفرادة في نصَّين شعريين مهمين لقامتين كبيرتين في الشعر العراقي الحديث هما:الشاعر خزعل الماجدي، المهووس بالمثيولوجيا العراقية، والذي أرَّخ فقدان ولده مروان، المُغيَّب من قبل زمر الإرهاب بملحمة شعرية كبيرة، تقسَّمت على أيام السنة 365 يوماً/نصَّاً لم يسبق لتاريخ الأدب أن شهد نظيرها (أحزان السنة العراقية 2006*) إذ دوَّن الماجدي تراجيديا الإنسان العراقي بنصٍ شعري يستدعي لوازم معرفية وطاقات قرائية ترتقي الى ثراء آفاقه، وتعدد مناهله، فضلا عن تداخل الأصوات والحوارات فيه بما يشبه مناخات المسرح حيث تحوَّل مروان الى رمزٍ لكل ما مرَّ على شعوب حضارة وادي الرافدين من تواريخ دامية.rnسرقوك !! كيف يسرقون نهراً؟ كيف يسجنون لحناً من الهواء؟ كيف يقطفون غصناً من شجرةِ السدرِ؟سرقوكَ !! وهل يُسرقُ الضوءُ؟ هل يُسرقُ بستان الندى؟ (خطف النسيم)  و الشاعر موفق محمد الذي غيَّبت الدكتاتورية المبادة ولده عدي في مطلع تسعينيات القرن المنصرم ليعثرَ على رفاته، في المقابر الجماعية في منطقة المحاويل شمال الحلَّة، بعد أكثر من عقدٍ زمني مثقلٍ بمواسم الألم. موفق محمد الشاعر الذي شاكس الدكتاتور داخل العراق بنصوص تبوح وتراوغ مثل (عبديئيل، زائرالليل**)، وتحدى الإرهاب بنص شعري متميز شكلاً ومضموناً (فتاوى للإيجار***)، مازلنا نذكرُ مطلعَهُ الخارق لكلِّ آليات التلقي (من رأى منكم عراقياً فليذبحه بيده، فإن لم يستطع فبمدفع هاون، وإن لم يستطع فبسيارة مفخخة وذلك أضعف الإيمان...) حيث كشف فيه عن وجه الموت الحقيقي المازالَ محدِّقاً بوجه العراق، باسلوب شعري خاطف ومباشر لم يعمد فيه لاستعمال إشارات مغلفة محمَّلة بمعانٍ يجب علينا العثور على دلالاتها من خارج ما تشتملُه يوميِّاتنا، لأنَّه أراد للنص أن يحاكي ذلك الموت الخاطف الذي ما انفك يطوِّقُ أعناقَ العراقيين إذ رتعت في ربوعهم الوحوش.rnاحرثيني أيتها المساحي، ودوري يا رياح لأهلك سراً فقد مزقتني الذئابُ / صباحاً تجيءُ الذئابُ / مساءً تجيءُ الذئابُ / تبسمُ أنيابا في دمي، وتعوي /فأزدادُ جمراً، وأوصي/ الرياحَ التي في خطاه/عن ولدٍ لي، ليسَ له قبرٌ، فأين هو الآن ؟؟؟ (لا نجمة للغائب)إنَّ أيَّ قراءة متأنية لنص خزعل الماجدي (شباط، الجبّ الذي أخفوه فيه، 1/شباط خطف النسيم الذي اسمه مروان) و نص موفق محمد (لا نجمة للغائب) ستكشف عن تشاكل النصين بعناصر مشتركة ومقومات جامعة، ابتداءً من العنونة حيث جاءت كاشفة عن أهم الموجهات القرائية والخيارات التأويلية التي يقترحها النصان، ثمَّ تداخلهما بقرابة نوعية بين أفكار متجانسة ليست مبهمة ولا مخادعة تظهر غير ما تخفي. و كذا في مستوى الاشتغال على لغة ذات قيم تعبيرية ورمزية لم تكن معنية بالاحتف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram