شاكر لعيبيلمرتين متتاليتين كتبنها هنا نقول أن أصول الأغاني العٌرسية الحالية وأشعار الاستحمام لدى العربيات في وقتنا مُستلهَمة في المقام الأول من الحضارة الرافدينية وامتداداتها عبر الفينيقيين والقرطاجنيين في الشمال الأفريقي، وأقلّ من ذلك من الحضارة المصرية القديمة التي لا يتوجب إغفالها.
فقد أولى الفكر في بلاد الرافدين لإشكالية الخصوبة والانبعاث، في تجلياتها الكونية واليومية كليهما، حصة جذريّة عبر أسطورة الخلق (إينانّا- دموزي، عشتار - تموز) المنتشرة على نطاق شعبيّ واسع، عبر وعي مرتبط بالتيارات النهرية والتموجات النباتية على المستوى الكوني من جهة، وبتفاصيل الحياة اليومية، بل الأيروتيكية للجنسين والحيضية للمرأة، من جهة أخرى. لذا تظهر إينانّا وتتحوّل عشتار، جماهيرياً، من ربة كونية للخصب إلى سيدة للتهتك والقصف والمرح وتصير رمزا للدعارة المقدّسة (أو الزواج المقدّس)، إذا لم نقلْ محض رمز للعروس العادية فيما بعد. أما في المخطط المصريّ فترتبط ميثيولوجيا الماء والخصوبة والإنجاب والجنس بميتافيزيقيا شاملة وبفكرٍ أكثر قداسة وتديّناً، رسميّا في الأقل، ولعلها تأتي في مرتبات أدنى في أولويات الأرباب الفرعونيين ومن يمثلِّهم من الملوك والكهنة، وتلتحم هذه الميثولوجيا، تحت شكل مختلف، بالدنيوي الأكثر حسية وشبقية ويومية. لا تتجرأ الربّات المصريات الورعات غالباً على النطق بالأناشيد والقصائد ذات التلميحات الجنسية الصريحة للسيدات الرافدينيات باسم إينانّا، عشتار أو بأسمائهنَّ في معابدها: "عليكَ أن تنقل يدكَ اليمنى إلى فَرْجي بينما تُبْقِى يدكَ اليسرى على رأسي مقرِّبا فمكَ من فمي واضعاً شفتيَّ في فمكَ: هكذا تحْلفُ لي. هذا هو قسَمُ النساء"."على سرّتكِ. يا أختي العذبة المجيدة، على ظهركِ.......يا أختي المجيدة،......يد. في فَرْجِكِ.... الحدائق. نانانيا.....في مؤخرتكِ....... الحقول"."انظر الآن، ثدييْ ينكشف، انظر الآن، الشعر ينمو حول فَرْجي معلناً نضوجي لكي أحتضن رجلاً. دعنا نكنْ جد سعيدات، ارقصي وارقصي!. أيتها [الربة] باو دعينا نبتهج بأعضائي الجنسية" ."عندما استلقتْ أيضاً الجميلة الغالية، قلبي، فإن كل منهما بدوره صار يقبل [الآخر] باللسان، كلّ بدوره، ثم أن أخي ذا العينين الجميلتين أعطاها إياه خمسين مرة، مُسْتنزَف القِوَى بانتظارها، لكنها كانت ترتجف تحته، ساكتة بكماء منه. عزيزتي الغالية أمضتِ الوقتَ مع أخي واضعة يديه على عجيزتها".لعل المصريات القديمات سيعتبرن هذه الأناشيد، ظاهرياً على الأقلّ، فجوراً ووقاحة متناهية، ولن يفهمنّ لماذا تعتبرها الرافدينيات تراتيلَ دينية تٌقال في المعابد. وهنا يقع الفارق بين الرؤيتين للعالم، ثم في التأثير اللاحق للمَرْجِعين في تشكيل الأغاني العرسية الراهنة التي يبدو أن الأناشيد العشتارية ما زالت رافداً سرّياً حقيقياً لها، بل مصدراً محتملاً، في ظننا، لتعبيراتٍ عربيةٍ فجّة مرتبطة بالمؤخرات ولأمثالٍ شعبية نسائية فادحة، في العراق خاصة .لا توجد ربة كبيرة الشبه بعشتار في الحضارة الفرعونية ولا لعشيقها تموز. ليست "حاثور" رديفاً لعشتار وإنْ بَدتْ لنا هكذا عند الوهلة الأولى. خلاف ذلك ثمة في مصر القديمة، بدلاً من محوريّة الأنوثة الخصوبية لعشتار، محوريّة رب الخصوبة المصري "مين" Min الذكوريّ. إنه رب قضيبيّ كما تصفه المرجعيات الفرعونية في مصر العليا، الصعيد = مينو أي صاعقة "مين". إنه رب الخصوبة والنسل و"ثور أمه" ربّة السماء التي يخصِّبُها كل مساء لكي تُوْلدَ الشمس. إنه هنا ليس من أجل المتعة الجنسية الصرف لكن من أجل هدف أعلى. تقاليد أخرى تجعله حامي مسارات الصحراء العربية ومدن البحر الأحمر أو الفحل مخصِّب الأرض، مُعْلِن الحصاد. يُقدَّم عادة على شكل رجل واقف ذي قضيب منتصب، على رأسه ريشتان ويحمل بيده اليمنى المرتفعة سوطاً. ينتهي بأن يبتلعه آمون ليصير (أمون - مين)، ثم يبتلعه حورس فيصير (مين - حورس) القادر على إسكات المُحارب سيث الشيطاني. "مين" هو الرب راعي مدينة قبطوس، ولطقوسه مراكز أخرى في أخميم وقفط والأقصر. وهو الرب الأقدم في مصر حيث يظهر في عصور ما قبل السلالات على هيئةٍ فيتيشية (فألية)، لكنه جُسِّدَ منذ السلالة الأولى على هيئة إنسانية: اليد اليمنى تحمل السوط فوق كتفه، بشرته السوداء تذكّر بلون الطمى النهري، بينما قضيبه المنتصب باستقامة تامة، كِنائيّة بالأحرى، فهو رمز للخصوبة والولادة، وثمة نبات الخسّ ذو القدرات المثيرة للشهوة الجنسية إلى جواره غالباً. جسده مشدود بكفن يمنحه شكل مومياء. في عصر الدولة الحديثة كان الفرعون يلجأ أثناء الاحتفاء به أو تتويجه إلى "مين" من أجل استعادة قواه وخصوبته. في احتفالات "مين" الكبرى أثناء الحصاد كان الملك يقطع الحزمة الأولى المهداة لـ "مين". انتهى الأمر لأسباب توفيقية بأن يتماهى "مين" مع (آمون - مين) ويحصل الأخير على قوى الخصوبة له. كلاهما، عشتار و"مين"، مكرَّسان للخصوبة رغم ذلك، مع الفارق
تلويحة المدى ..عشتار المصرية
نشر في: 11 يونيو, 2010: 05:16 م