TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > ثلاثية تروتسكي .. مـرثية لأحلام الثورة

ثلاثية تروتسكي .. مـرثية لأحلام الثورة

نشر في: 12 يونيو, 2010: 04:37 م

نيل اتشرسونحظيت أعمال «إسحق دوتشر» عن حياة «تروتسكي» Trotsky، باهتمام جيلين: الجيل المعاصر له، والجيل الذي خلفه، وهي تعد ــ بحق ــ من أفضل الأعمال في مجال السيرة الذاتية. صدر المجلد الأول في عام 1954، بعد وفاة «ستالين» بفترة قصيرة. وظهر المجلد الأخير في عام 1963، وقت أن كان «الاتحاد السوفيتي»
 لا يزال يبدو قويا واثقًا، وكانت الآمال لا تزال قائمة (ليس عند اليسار فحسب) في إمكانية أن يأتي اليوم الذي تتخذ فيه إصلاحات تؤدي إلي تحقيق الرؤية السوفيتية للاشتراكية الديمقراطية. اليوم تغيرت الأحوال. لكن الجيلين كانا على حق سواء فيما يتعلق بـ «الاتحاد السوفيتي» أو بكتابات دوتشر عن حياة تروتسكي، التي أعادت «دار فيرسو» «البريطانية» نشرها في ثلاثة مجلدات، تجعل قارئ اليوم يقف أمام هوة عميقة محدقًا في تغيرات عمرها أكثر من 40 عامًا. يرى دوتشر التاريخ من منظور مغاير تحكمه معايير تختلف عن تلك التي تحكم منظمة العفو الدولية. كل شيء عنده يقاس في ضوء الدافع الثوري. والسؤال الأهم لديه هو: هل ساعد هذا التوجه، أو تلك الفكرة، على  إنجاز الثورة أم جرفها بعيدًا عن هدفها الحقيقي؟ لقد تحلى دوتشر بإيمان راسخ في قيمة الهدف النهائي الذي كثيرًا ما عبر عنه تروتسكي وقال، وهو في منفاه السيبيري وكان عمره وقتها 22 عامًا: «سأظل أناضل من أجل المستقبل طالما بقيت حيا. هذا المستقبل المشرق الذي يصبح فيه الإنسان قويا قادرًا على التحكم في تيار التاريخ وتوجيهه إلى آفاق لا محدودة للجمال والفرح والسعادة». هكذا تحولت سيرة تروتسكي، بين يدي دوتشر، إلى رواية ملحمية للصراع من أجل روح الثورة، ومن أجل تعهدها بوضع نهاية لعصور الفقر والعوز، وبدء ألفية جديدة لحرية وسيادة كل البشر. وهكذا ظل دوتشر يعتقد في استمرارية هذا الصراع حتي بعد سقوط وموت بطله، وإلى أن يأتي اليوم الذي ينهض فيه نفر من ثوار روسيا الجدد لإنقاذ «أكتوبر» من مستنقع الاستبداد والاستغلال الذي قادها إليه ستالين. ولإعطاء ماركسيته هذه نكهة عالمية، لم تكن مفاجأة أن يصور دوتشر تروتسكي وكأنه «برومثيوس (2) يخوض الصعاب من أجل مستقبل البشرية، وليس مجرد ممثل في دراما سياسية روسية. ويكاد العمود الفقري «للثلاثية» أن يكون مرافعة أخلاقية عن تروتسكي، رغم أن دوتشر لم يكن «تروتسكيا» بل كان ثوريا ماركسيا مستقلاً، طرد من الحزب الشيوعي البولندي في عام 1932 لانتقاده ستالين (وكان محظوظًا إذ أن ستالين، وبعد طرده بسنوات قليلة، دعا جميع قادة الحزب البولندي إلى موسكو وأعدمهم رميا بالرصاص). لم يلتق دوتشر، تروتسكي، في حياته. ولم يتفق معه في كثير من سياساته، لكنه كان يري فيه التجسيد التام لاعتقاده الراسخ أن الاستبداد «الستاليني» لم يكن الشكل الممكن الوحيد للثورة الماركسية: «لقد اعتبرت تروتسكي ــ بالفعل ــ أحد أبرز القادة الثوريين، في كل العصور، كمناضل ومفكر وشهيد. لقد بذلت قصاري جهدي كي أنصف شخصية البطل في تروتسكي، والتي لم أجد ما يناظرها في التاريخ. لكنني صورته أيضًا في الكثير من لحظات حيرته وارتباكه، مثل «تيتان» Titan (3) وهو يترنح ويجفل ويتحصن، ثم يخرج لكي يلقي مصيره». لقد حلق دوتشر بعيدًا وهو يتحدث عن معاملة تروتسكي الضارية لأعداء الثورة، وقت أن كان قائدًا للجيش الأحمر، ويقول: «حتى في هذه المرحلة كان الاشتراكي الحر حاضرًا داخله. وفي معظم أفعاله القاسية وكلماته الحادة، كان توهجه الإنساني الدافئ يميزه عن معظم فارضي النظام والانضباط». هل كان الأمر كذلك؟ وهل شعر بهذا الدفء هؤلاء الذين واجهوا فصائل الإعدام؟ لم يتفق دوتشر، مع تروتسكي، في مقت ستالين والتابعين له فحسب، بل اتفقا أيضًا في التحليل النهائي للوضع القائم في الاتحاد السوفيتي خلال الثلاثينيات، وأن الثورة قد أدت إلى وجود «دولة ممسوخة للعمال»، وأن هدفها المتمثل في إزالة سلطة رأس المال وإلغاء الملكية الخاضعة لوسائل الإنتاج، ظل بكرًا «لم يمس» في ظل ديكتاتورية بيروقراطية في البنية الفوقية، ورقابة وإرهاب دولة. رغم ذلك، ظل دوتشر، وإلى أن رحل في عام 1967، متفائلاً بشأن مستقبل الاتحاد السوفيتي. ومثله مثل تروتسكي رفض التسليم بأن الستالينية كانت ــ ببساطة ــ شكلاً من أشكال الدولة الرأسمالية، ولمنفعة طبقة مُستغلة جديدة. لكنه اختلف معه فيما يتعلق بـ«واجب الدفاع عن الدولة السوفيتية، حتي وإن كانت دولة ستالين». وعندما أكد تروتسكي أن غزو ستالين لأراض أجنبية (مثل شرق بولندا عام 1939) يجب الترحيب به باعتباره «هدفًا تحرريا» وأن الغزاة «الغوا الملكية الخاصة»، وجد دوتشر أن موقف تروتسكي يفتقد المنطق والاتساقاستلهم دوتشر عناوين ثلاثية السيرة الذاتية لتروتسكي من ميكافيللي الذي لاحظ ــ وكان مخطئًا ــ أن «المسلحين من الأنبياء هزموا، والعزل منهم دمروا».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram