عبدالله السكوتي وهذه كناية عن المفلت الزمام ، الذي يسرع الى المنازعة والخصومة ، وكان البغداديون في غابر الازمان يكنون عنه بكلمة عيّار ، ويراد به الشخص غير المنضبط الذي لايهتم بأمور معيشته ، بل يعيش كيفما اتفق ، ولايتقيد بما تعارف عليه الناس.
واول ظهور للعيارين في بغداد أواخر القرن الثاني الهجري ، عند حدوث الفتنة بين الامين والمأمون ، وتحديدا لما حاصر جيش المأمون بقيادة طاهر بن الحسين بغداد ، فألف الامين جيشا من اعجب الجيوش ، هو جيش العيارين يتألف من أهل السجون وأرباب السوابق ، وكانوا يقاتلون عراة ، اتخذوا لرؤوسهم دواخل من الخوص سموها خوذا ، ودرقا من البواري قيرت وحشيت بالرمل والحصى ، على كل عشرة منهم عريف ، وعلى كل عشرة عرفاء نقيب ، وعلى كل عشرة نقباء قائد ، وعلى كل عشرة قادة أمير، وكان العيارون يحاربون عراة ، ولهم مخالي يضعون فيها الحجارة التي يرمون بها ، وكانت رماحهم من القصب وبوقاتهم من قرون البقر وقد وصفهم الشاعر بقوله :خرّجت هذه الحرب رجالا لالقحطانها ولالنزارمعشرا في جواشن الصوف يغدون كالاسود الضواريويقول الفتى اذا طعن الطعنة خذها من الفتى العيّاروعقب شاعر آخر في قصيدة بوصف بغداد ابان حرب الأمين والمأمون:بغداد اسواقها معطلة يستن عيّارها وعائرهااخرجت الحرب من سواقطها آساد غيل غلبا تساورهاكتائب الهرش تحت رايته ساعد طرارها مقامرها ويعني بقوله كتائب الهرش ، اشارة الى الحسن الهرش احد قواد الامين ، تسلط على الناس بحجة تتبع الاموال ، فكان يهجم عليهم في منازلهم ، وكان يأخذ بالظن ، فاهلك الناس ففروا منه بعلة الحج فقال الشاعر :كم اناس اصبحوا في غبطة ركض الليل عليهم بالعطباظهروا الحج وما ينوونه بل من الهرش يريدون الهربوعند انتهاء الحرب بقتل الأمين، خرج الهرش يدعو الى الرضا من آل محمد ، حتى اتى النيل فجبى الاموال واغار على التجار وانتهب القرى (الطبري 8/ 463 ) .وفي سنة 251 للهجرة لما نشبت الحرب بين المستعين في بغداد وجيش المعتز المحاصر لها ، امر محمد بن عبد الله بن طاهر امير بغداد ان يفرض العيارين وان يجعل عليهم عريفا ، وان تعمل لهم تراس من البواري المقيرة ، ومخالي تملأ حجارة ، وكان العريف على اصحاب البواري المقيرة رجل اسمه بنتويه (الطبري 9/ 288) ، ثم تبين للامير ان الحجارة سلاح غير كاف ، فامر ان يتخذ العيارون من اهل بغداد الكافركوبات (تسمى في مصر النبابيت ، وفي بغداد الدونكيات ) وان يصير فيها مسامير حديد ، وكان رأس العيارين ابا جعفر بنتويه ، ولهم رؤساء منهم دونل ودمحال وابو نملة وابوعصارة ، ولما اعطي العيارون الكافركوبات تفرقوا على ابواب بغداد ، وكانوا ممن يستميت في المعارك ، ثم ان امر العيارين قوي في سنة 348 وظهر امر قائد منهم اسمه بعزيز واستفحل امره ولحق به خلق كثير فاخذ الضرائب من الناس واحرق المحال ، ثم إنهم عاثوا فسادا في بغداد ، وبعدها أدبوا في زمن بهاء الدولة البويهي، وبعد ذلك، وفي زمن جلال الدولة ابي طاهر اخذوا يكبسون دور الناس نهارا وفي الليل بالمشاعل ولايجد المستغيث مغيثا ، وقتلوا الشرطة بعد ان هرب اصحاب الشرط ، ثم نصبوا لهم رئيسا هو ابو يعلى الموصلي ، وفي سنة 538 نما امرهم حتى انهم ضموا ابناء الوزراء ، ثم بعد هذا سكت المؤرخون عن العيارين، لان بغداد ابتلت ببلاء غير بلائهم ، كما سيصمت التاريخ عن الكثيرين فالبلوى متعددة ، امراض وأوبئة وخدمات منعدمة اضافة الى العيارين الذين تتورط ان تكلم احدهم، لانهم وكما قلنا :(ايدهم والسجين).
هواء فـي شبك ..(إيده والسجين)
نشر في: 12 يونيو, 2010: 10:10 م