TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > في معرض معهد الفنون..أسئلة الغيوم فـي الفن الكردي المعاصر

في معرض معهد الفنون..أسئلة الغيوم فـي الفن الكردي المعاصر

نشر في: 13 يونيو, 2010: 05:39 م

عبد الكريم الزيباريالسليمانيةمع بداية تَشَكُّـل الرمز المرئي للغيوم والألوان القاتمة في ذاكرة الرائي يتجه التفكير إلى الشكل الأعمق والأكثرُ مغزىً ميتافيزيقياً للصورة، مع تحوَّلٍّ للرمز بالمدى البعيد إلى شعور بمجرى التاريخ.هل الفن معرفة؟ وإذا لم يكن، فلماذا معاهد وكليات الفنون الجميلة؟ هل الفن مادَّة حيَّـة؟ فإذا كان كذلك، فكيف باستطاعتنا تشريح الأحياء بحثاً عن الحقائق؟ لماذا ارتبط الفن بسيرورة الرمز؟ وإذا لم يرتبط، أين ندرس تطور الرمز؟ هل الفن عنصر مساعد ومترجم للفكر، أم طريقة أسلوبية للتفكير بحدِّ ذاتهِ؟
 وإذا كان عنصراً مساعداً فإنَّ مسيرة الفن لدينا لم تتطوَّر منذ بداية التاريخ، وشنَّ أفلاطون حملةً شعواء، تواصلت من بعدهِ، واعتبرَ جان جاك روسو "الفن شأنهُ شأن الصناعة، تدنيساً لطهارة الطبيعة النقية الخالصة الأولى" وقال الشاعر الروسي نكراسوف أنَّهُ يُفضِّل قطعةً من الجبن على قصائد بوشكين كلها. وسأل أحدهم برناردشو:- أليس الطباخ انفع للأمة من الشاعر أو الأديب؟، فأجابهُ: الكلاب تعتقد ذلك.ليبقى الفن بأنواعهِ وأجناسهِ أقدم طراز اخترعه الجنس البشري للتعبير عن مآسيه. وتبقى الأهمية التي نعلِّقها على الفن في الأسئلة التي يطرحها باعتباره روحاً للعصر، أو معبِّراً عن حالة اللاوعي، رغم أنَّ علم الاجتماع لم يبدِ اهتماماً ملحوظاً تجاه هذه الأسئلة، ولم تعترف بأهميتها إلى يومنا هذا!!!. لماذا تغزو الغيوم الفن التشكيلي الكردي، كرمز يشدو إلى إذابة ذلك الفراغ المتوَّغِّل في جوهر نظرتنا إلى الأشياء؟ لماذا تبدو كل الألوان والرموز والصور رمزاً لأمل التحرر من ذاكرة وجع الأعماق في تجربة الألم الإنساني المحبوس داخل إطار الصورة الجامدة؟ أليس في هذه الرموز محاولة لاكتشاف سحر عالم الغيوم؟صباح يوم الأحد الثاني من أيَّار أُفتتِح مهرجان معهد الفنون الجميلة السابع عشر، بمشاركة أكثر من ألف وخمسمائة لوحة تشكيلية، زيتية ومائية، وكارفيك، وبقلم الرصاص، وخط، وزخرفة، وسيراميك، وجداريات، وأعمال يدوية، وجميعها من أعمال طلبة المعهد، استوقفتني جدارية بيكاسو وهو يعمل على الجيرونيكا. ومع الافتتاح هوى رذاذٌ خفيف من جوٍّ غائمٍ، امَّحَت بعض الجداريات، ولكن معرض الصور الذي يحكي سيرة الأعمال، والفنانين منهمكون في رسمها أو نحتها، كشفت لنا بعض الصور الرائعة، كتلك اللوحة التي تصوِّر حفرةً، ولولا الرذاذ لأصابني خوف من الوقوع فيها.وفي لوحة الفنان علي حسين، المرحلة الخامسة قسم التشكيل، معهد الفنون الجميلة، حاول تجسيد لحظة مطلقة في التاريخ البشري، حيث الوجه الإنساني بين الآلام والمتاعب:وهو تعبير فلسفي قد يبدو ناقصاً لقارئ اللوحة، ونلاحظ الألوان الغامقة، والغيوم، وفي وجههِ وفي الأوجاعُ تصطفق، يئنُ من الآلام أو يتضرّعُ، أو يصرخُ، يحملُ صخرة سيزيف الصمَّاء، يستوحشُ الوجعَ المعبأ في مفردات حياتنا اليومية، ليتحقَّق جهله(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)الأحزاب: 72. والصراخ البشري، وعلامات الألم الإنساني، ليس ثَمَّـة إلا الوجه الإنساني المتألِّم في وجعهِ الكوزموبوليتي، في صراعه القديم بين ذاتهِ والمجتمع، وصراعهِ الآني والمستمر في تجاربه وانفعالاتهِ التي يتولَّدُ منها الألمُ الذي لا ينطفئ، وجهه الصارخ بين غيوم السماء المثخنة بالعواصف، وأمواج البحر المتلاطمة، وَثَمَّـةَ بصيصُ نورٍ خافتٍ يلوح في اللون الأصفر في السماء الذي انعكسَ خجولاً على موجات تلاشت، هذا اللون الأصفر منحة ضرورية للاستمرار، نسيانٌ يُنئي الروح المثقلة والمتعبة عن سواد المِحَنْ. والأصفر الذهبي رمزٌ للحياة والعظمة، أمَّا الأصفر القاتم فهو رمزٌ للموت والمرض والخيانة، وبريق الذهب المخادع، ومباهج الحياة الزائلة. واللون الأبيض انعكسَ على زبَدِ المَوجِ المتلاطم، وكما ينتظرُ الإنسان قيامته الصغرى وموتهُ، ينتظرُ هذا الوجه البائس، ساعة الغرق، وما لطمُ بعضِ الموجِ في البحرِ بعضَهُ، بمنذرهِ، وكما يقول بورخس(موتي/ وموتك/ يمكن أن يأتي كطائرٍ أسود في الليل/ لن أبالي بالرغم من أنَّني أقول للآخرين بأنَّني مريض/ ومتعبٌ من كوني بورخس كلَّ يوم). وإذا كان الفنان علي حسين قد اكتفى بصرخةٍ واحدة في لوحته الأولى، فإنَّه قد رسمَ لنا صرختين من شبحين من عالم الماضي، كرمز للتاريخ الذي يحذِّرنا ونحن نجتاز عتبة الحداثة وما بعدها، أنْ لا نكرِّر الأخطاء التي وقعَ فيها الذين سبقونا.إذا كان ظلُّ الجدار قد سقطَ إلى الأمام، فإنَّ الضوء والعلم والمعرفة بقيا في الخلف، ويجب علينا أن نطلِّع على دروس الثلاثة آلاف سنة الماضية من تاريخ الفكر البشري، وأخطأ الفنان الشاب، بأنَّ رسمَ طابوق الجدار، واحدة فوق الأخرى، وهو يتنافى مع الأسلوب الواقعي " الشد والعقد" وبهذا يكون لهذا الخطأ غير المقصود، قصدية في تحذرينا بأنَّ الجدار الذي اجتزناه إلى عالم الحداثة، يُفْصِحُ عن مدى قابليتهِ للسقوط، جدارٌ سيؤول للسقوط قريباً، وسيأتي الانهيار الكبير، هذه اللوحة هي دعوة مفتوحة للتأمُّل في الجدار الآيل للسقوط. وربما كانت الأسئلة: ناضلنا من أجل الحرية والديمقراطية، والآن ماذا فعلنا بهما؟ وإلى أين نسير؟ وأين الخطأ؟ وكيف نصحِّح الخطأ؟وفي لوحة الطالبة دنيا المنصور، حيث الإنسان المُمَدَّد، والمكفَّن، في نفَّاضَة السكائ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram