TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > في اليابان أيضا ..

في اليابان أيضا ..

نشر في: 14 يونيو, 2010: 04:41 م

د. عبد الله المدنيحينما ذهبنا إلى بيروت للدراسة الجامعية في مطلع سبعينيات القرن الفائت، لفتت أنظارنا – ضمن أمور أخرى - الشعارات السياسية الكثيرة المكتوبة فوق جدران المباني واللافتات الخشبية والقماشية، وكان من بينها شعار يتصدر كل الحيطان واللافتات في المناطق ذات الكثافة السكانية السنية. كان الشعار يقول ببساطة "ما بيصائب للحكم إلا صائب"،
 وترجمته هي أنه لا يصلح للحكم في لبنان إلا "صائب سلام". وكان الأخير وقتها من أبرز رجالات الدولة و أحد أشهر من تعاقبوا على رئاسة الحكومة اللبنانيةذلك الشعار ظل على الدوام حاضرا في ذهني، خصوصا عند الكتابة عن الشأن السياسي الياباني. فقد ثبت من التجربة الطويلة لهذا البلد في حقبة ما بعد هزيمتها المرة في الحرب الكونية الثانية، أنه لا يصلح لحكم اليابان إلا حزبه العتيد الأعرق أي "الحزب الليبرالي الحر"، فهذا الأخير، رغم كل الإنقسامات والتجاذبات التي عصفت بأجنحته المختلفة، ولا سيما ما بين تياراته الشابه والعجوزة، ورغم كل الفضائح المالية التي لحقت برموزه الكبيرة، ورغم تبدل وجوهه القيادية بمعدلات زمنية سريعة، ظل يحكم اليابان دون إنقطاع منذ ظهوره على الساحة في عام 1955، وحتى عام 1993 الذي شهد خروجه من السلطة للمرة الأولى. لكن هذا الخروج لم يستمر طويلا، إذ سرعان ما فشل الإئتلاف الحزبي المنافس له في إدارة البلاد، وقدم رئيسه  "توميتشي موراياما" إستقالته من رئاسة الحكومة في غضون عام واحد، ليعود الليبراليون الأحرار مرة أخرى إلى السلطة.أما المرة الثانية التي هــُزم فيها "الليبراليون الأحرار فكان في العام الماضي، حينما فاز عليهم فوزا ساحقا في الإنتخابات التشريعية التي أجريت في أغسطس من ذلك ذلك العام "حزب اليابان الديمقراطي" بقيادة "يوكيو هاتوياما" (63 عاما) الذي خلف "تارو آسو" كرئيس للوزراء على رأس حكومة إئتلافية من حزب اليابان الديمقراطي، والحزب الإشتراكي الديمقراطي وحزب ثالث صغير. لكن حكومة "هاتوياما" لم تستطع أيضا الصمود أكثر من عام، ليستقيل رئيسها في أوائل الشهر الجاري، مدشنا بذلك مرحلة جديدة من اللاإستقرار الإداري والسياسي، خصوصا وأن البلاد غيرت أربعة رؤساء حكومات خلال أربع سنوات. فمن بعد حقبة شبه طويلة وغير مسبوقة من الإستقرار في ظل رئيس الحكومة الأسبق، صاحب الكاريزما الشخصية والمواهب القيادية الفذة، " جونيتشيرو كايزومي" الذي حكم ما بين عامي 2001 و2006 ، تولى رئاسة الحكومة لمدة  أقل من عام  كل من "شينزو أبي"، و"ياسو فوكودا" و "تارو أسو" على التوالي.والقاريء لتاريخ اليابان السياسي، وخصوصا ذلك المتعلق بحكوماتها المتعاقبة، سيكتشف أنه قد مرّ على هذا المنصب الرفيع منذ عام 1947 وحتى اليوم 30 شخصية سياسية، جُلـّها بطبيعة الحال من "الحزب الليبرالي الحر" كما أسلفنا. كما سيكتشف أنّ أطول رؤساء الوزراء بقاء في السلطة كان أيضا من الحزب الأخير. أما الملاحظة الأخرى الجديرة بالإهتمام فهي تقديم الساسة اليابانيين مصلحة أحزابهم على مصالحهم الشخصية، وذلك في ظاهرة معاكسة تماما لما يجري في العالم العربي والعالم الثالث. فالسيد هاتوياما فضـّل أن يتخلى عن منصبه الرفيع كرئيس للوزراء وزعيم لحزب اليابان الديمقراطي الحاكم قبل أنْ يحين الحادي عشر من يوليو، وهو موعد إنتخابات نصف مقاعد مجلس الشيوخ المكون من 242 مقعدا (هذا المجلس أقل صلاحيات من مجلس النواب، لكنه صار يلعب دورا هاما في إقرارالتشريعات، خصوصا حينما يتمتع الحزب الحاكم بأغلبية في مجلس النواب، ولا يتمتع بمثلها في مجلس الشيوخ)، وذلك خوفا من أن يؤدي تمسكه بالسلطة إلى هزيمة حزبه في تلك الإنتخابات، على خلفية تراجع شعبيته من 70 بالمئة إلى أقل من 20 بالمئة، بسبب نكثه بوعود إنتخابية سابقة حول نقل قاعدة "فوتينما" الأمريكية من جزيرة "أوكيناوا" (حيث يعيش 1 بالمئة فقط من سكان اليابان) إستجابة لمطالب سكانها، وإيجاد حل يتناغم مع رأي عموم اليابانيين حول تواجد 50 ألف جندي أمريكي فوق أراضيهم، ووعود أخرى ببدء حقبة سياسية مختلفة في تاريخ البلاد، ثم بسبب ضلوع الأمين العام لحزبه العجوز القوي "إيتشيرو أوزاوا" (67 عاما) في فضائح تمويلات سرية، هذا ناهيك عن إتهامات وُجهت إلى عدد من مساعديه بالحصول على أموال بطرق غير مشروعة لدعم حملته الإنتخابية في عام 2009 (برأ القضاء ساحة المتهمين، وخـَلـُص إلى أن "هاتوياما" لم يكن على علم بالأمر).لقد قيل وكـُتب الكثير حول أسباب بروز "حزب اليابان الديمقراطي" وتمكنه من إنتزاع السلطة من "الحزب الليبرالي الحر" بعد هيمنة الأخير على مقادير الأمور لفترة دامت نحو نصف قرن. لكن أهم ما لفت نظر المراقبين هو أن الحزب الأول إستفاد كثيرا من أخطاء الحزب الثاني، بمعنى أنه لئن لم يسع إلى تبني سياسات مختلفة جذريا عن سياسات خصمه، ولا سيما فيما يتعلق بالروابط التاريخية مع الحليف الأمريكي، فإنه على الأقل حاول تجديد الدماء في الحياة السياسية اليابانية. ذلك التجديد الذي ل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram