علي حسن الفوازكثيرا ما تتناقل الأخبار عن وجود مشاريع لاعمار البني التحتية في العراق، وان ثمة ميزانيات ضخمة قد حددت لمثل هذه المشاريع، حيث خصصت لمشروع اعمار العراق ميزانية قدرت بسبعين مليار دولار خلال فترة الحكومة السابقة، حتى بات هذا الموضوع حديثا لأوساط متعددة ومحرضا على تساؤلات واسعة في الفضاء السياسي العراقي،
وفي الفضاء الاستثماري الذي يسعى إلى الدخول إلى العراق رغم كل التعقيدات السياسية والأمنية والاقتصادية، لكن هذا المشروع لم ينفذ طبعا وترك على الرفوف تحت ضغط الطبائع السياسية المتصارعة بين فرقاء المشروع السياسي العراقي وتشوه حساباتهم ونياتهم.. فهل كان هذا المشروع حقيقيا وواقعيا؟ وهل يمكن تنفيذه وسط التجاذبات السياسية والتقاطعات التي تفلسف الشك والريبة والمصالح تحت واجهات وطنية وسياسية؟ وما طبيعة الجهات التي تنفذ هذا المشروع؟ وهل ثمة تشريعات قانونية متفق عليها في المجال الاستثماري يمكنها ان تصنع البيئة الاستثمارية المناسبة والواقعية وصاحبة الجدوى؟وإذا كان هذا الكلام يملك نوعا من المشروعية، وان القوى السياسية تملك قناعة بجدواه وضرورته، فما المقصود هنا بالبنى التحتية! وكل شيء في العراق يعاني من غياب فاضح للبنى الفوقية قبل التحتية؟ وأي البنى التحتية سيكون لها الأولوية، وقد تركتنا الحروب والاستبدادات والحصارات والفساد المالي والإداري وأمراض سوء الإدارة أمام أولويات لا حدّ لها؟ ومن سيكون القيّم على هذا المشروع العملاق؟ هل هي الشركات الوطنية صاحبة الخبرات المحدودة، أم الاستثمارية الأجنبية، أم ماذا؟ وهل سيكون هذا المشروع خارج لعبة التجاذب السياسي والطبخات البرلمانية التي يمكن ان تنوش كل شيء، وربما تعطل كل شيء؟والأدهى من ذلك هل ستوافق القوى السياسية مجلس النواب العراقي على هذا مشروع هذا القانون بعيدا عن تكرار إنتاج المشهد القديم بكل هوسه وسرياليته؟ وهل سيضع النواب خلافاتهم وحساباتهم الضيقة القديمة والحديثة ومصالح كتلهم السياسية جانبا للنظر في حيثيات هذا المشروع بعيون وطنية خالصة جدا وضمائر تدرك أن استمرار صناعة التعطيل والأرجاء هو خطيئة أخلاقية وشرعية ووطنية؟مشروع الإنقاذ الوطني والسياسةاحسب فكرة أي مشروع وطني للإنقاذ الاقتصادي والتنموي مثل هذا القانون، سيكون وجها جديدا للسياسة العراقية، وفهما أكثر عمقا لمعطيات مرحلة تقتضي إيجاد كل الإمكانات والقدرات لصناعة دولة مدنية يمكنها ان تقاوم تحديات ما يحوطها من أزمات وصراعات دولية وإقليمية وحتى داخلية، ولعلي احسب هذا الخيار بما يشبه طريق الحرير للاستدلال على مسارات العقد السياسية والاقتصادية، والعمل بجد ومسؤولية على ترميم الخراب، وتأهيل العراق لعصر سياسي واقتصادي وثقافي جديد؟ واحسبه أيضاً توجها موضوعيا وتاريخيا لتجاوز عقدة المشاريع الصغيرة غير المجدية والتي أنهكت الميزانية الوطنية، وأتاحت هامشا لصناعة نخب فاسدة في الكثير من الحلقات الإدارية والخدماتية، مثلما احسبه باتجاه آخر بأنه خيار عام، تؤطره المصالح العليا، والتي تتجاوز الأوهام العلنية والسرية للصفقات والاستعراضات التي يمكن ربطها بحسابات البعض من السياسيين والبرلمانيين وأنصاف المحللين الإعلاميين الذين لا همّ لهم سوى التشكيك بوطنية وأخلاقية الناس ورمي ذممهم بالحجارة، وكأن كل قلوب الناس وأيديهم مغلولة إلى الشيطان!!وإزاء هذه التحسبات لا أجد بدّا من أن تضع القوى السياسية خطوط عمل مشتركة للتعاطي مع مسؤولية مثل هذه المشاريع وإعطائها كل الحوافز والصلاحيات وحتى التخطيط العملياتي واللوجستي لها، لكي تكون مشاريع وطنية عميقة الأثر والفاعلية، وبالطريقة التي تتجاوز عقد وصالح مشاريع الصدقات والحسنات الدولية والإقليمية وتاريخ مشروع مارشال ومشروع العهد الدولي والدول المانحة وغيرها. إزاء هذا الواقع قد تبدو الصورة بحاجة إلى شيء من الوضوح، والى شيء من الجدية، خاصة وان أزمة (المشاريع الوطنية) باتت أمام سلسلة معقدة من المشاكل التي كثيرا ما تذهب بعيدا إلى الفشل او سوء الانجاز، أو تحويلها إلى مشاريع غير ذات جدوى، ولعل الحديث الذي تناقلته بعض المنظمات الدولية عن فشل الدولة العراقية، يرتبط بشكل أو بآخر بفشل صناعة المشاريع التنوية الكبرى التي يمكن ان تعيد سياق إنتاج الدولة والاقتصاد والبناء المؤسساتي، وتقلل من هامش الفساد، والهامش الضاغط للبطالة والتضخم وغيرها. حتى أن البعض يقول أن هذا الفشل يقترن بالفشل الأمريكي في التعاطي مع الملفات العراقية على مستوى الأمن والسياسة والاقتصاد والخدمات، وهي ما تثير بالمقابل العديد من الأسئلة التي تتعلق بحقيقة ما يجري، فهل أن الأمريكان قد سطّحوا المشاكل العراقية الى حدّ أنهم اصطدموا بتداعياتها؟ وهل أن الأمريكان اضعفوا الجانب الخدماتي مقابل دعم الجانب الأمني بقصدية أو بدون قصد؟ وهل ان معالجة أزمات مثل الكهرباء والماء وإعادة تأهيل المدن العراقية والمؤسسات الخدمية الأخرى لا يحتاج إلى جهود استثنائية من قبل الأمريكان قبل غيرهم؟ خاصة وان العراق قد تعرض طوال عقود إلى نوع من التدمير المنهجي الذي اقترن بتهديد سابق لل
مشروع إعمار العراق رهانات ومسؤوليات
نشر في: 14 يونيو, 2010: 04:42 م