اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > "الفتاة ذات القدمين الزجاجيتين"..توظيف الأسطورة فـي إشكالات عصرنا الحديث

"الفتاة ذات القدمين الزجاجيتين"..توظيف الأسطورة فـي إشكالات عصرنا الحديث

نشر في: 14 يونيو, 2010: 05:01 م

ترجمة: عادل العامل(في الأساطير و الحكايات الخرافية، تتحول أشكال الشخصيات بصورة متكررة. فأراكين يُصبح عنكبوتاً. و ابنة ميداس تتحول إلى ذهب. و الضفدع ينط و يصير أميراً. و هذه القصص تخاطب انشغالاً إنسانياً مثابراً : فحيواتنا كما نعرف وقتية،
و عرضة لتغيير لا رحمة فيه. و هذا التغيير الذي لا رحمة فيه نجده متجلياً تماماً في (الفتاة ذات القدمين الزجاجيتين)، و هي الرواية الأولى المتخيَّلة بشكلٍ فنتازي لعلي شو Shaw. و القصة بسيطة كما يوحي بذلك العنوان : و هي أن عايدة Ida ماكليرد، بطلة القصة ، لها قدمان تتحولان إلى زجاج.)إن تحوّل عايدة Ida، و هو أكثر من كونه صورة مدهشة، يؤدي دور الأزمة المركزية للرواية. فهي تعود، في بحثها عن مفاتيح لظرفها، إلى مجموعة من الجزر الشمالية كانت قد زارتها ذات يوم. و هي تأمل في أن تحدد مكان ناسكٍ أخبرها بأنه كان قد رأى " أجساماً زجاجية ... مخفية في مياه المستنقع ". و لا يُبرز الخط الساحلي الشتائي لأرض القديسة هدى  St.Hauda  سوى " البحر المفعم بالإغواء ". و هناك في الداخل تقع " المستنقعات الكريهة الرائحة و الغابة المهزولة ". و السحب الاسمنتية اللون تسح مطراً يشبه " لحافاً من الصوف يصل ما بين الأرض و السماء ". هنا، في هذا المشهد الكئيب، تصادف عايدة المسمّى على نحوٍ ملائم ميداس كروك ــ و هو شاب محزون الفؤاد لتاريخه العائلي، يصفّ العالم من خلال عدسة كاميرا. و هو يحاول أن يصوّر شعاعاً من النور حين تُجفله عايدة. و رغم ــ أو ربما بسبب ــ جمالها العجيب، الموصوف بأنه " أحادي اللون " و " رمادي "، فإنها تأسر عقله. و يصيبه الفضول بشأن الجزمة الكبيرة التي تحتذيها. إن أرض القديسة هدى مستمدّة من غابات الحكايات الخرافية الأوروبية الشمالية. و هي تعجّ بالمنحدرات الشاهقة، و البُرك، و المستنقعات، و الأراضي الخالية في الغابات. و قد يستغرق الأمر أياماً للعثور على الأكواخ المخفية. و هناك يجول مخلوق في الغابة، محوّلاً الطيور و اليعاسيب إلى مهقاء (الأمهق كائن بشرته بيضاء و شعره أبيض وعيناه ورديتان) بنظرةٍ منه. و قنديل البحر يبعث نوراً " مثل غبار النجوم " حين تموت. و هناك قفص لطيورٍ بكماء يزيّن عزبةً منعزلة. و بالطبع، هناك الاعتلال الغامض الذي يحوّل الناس إلى زجاج. في الحكاية الخرافية النموذجية، تكون الشخصيات مسطحة و الوصف في أدناه. فالأميرة أميرة؛ و الساحرة ساحرة. هنا، نجد الشخصيات معقدة، مطّلعة من خلال الأحوال الشخصية التراجيدية. فميداس مشغول البال بانتحار أبيه. و ميداس الأكبر سناً كان لديه قلب من زجاج، و لم تكن تعرف أسرته بذلك. و قد ظلت فكرة الحب متوانيةً في عقله، لكنه لم يستطع أن يحس به أو يعطيه. لقد عاش ميداس الشاب و أمه في بيتٍ مفعم بالبرودة و القسوة. و يتعلم ميداس " التعالج، بالتصوير الفوتوغرافي "، لكن التعالج غير مساوٍ للتداوي. و هو، في إيماءة إلى أسطورة ميداس الأصلية، يتفجّع من أنه حين يلمس شخصاً ما، " يحس جسمه مثل الحديد ".  و كل شخصية يقدمها شو تساعدنا على رؤية القصة في سياقها. و جميعها تعترف بأسرار تبدو أشبه بإشارات، لكنها لا تكشف عن الكثير في ما يتعلق بتحوّل عايدة. و هي، بدلاً من ذلك، تقودنا إلى غموض أكثر وجوديةً : لماذا يفشل الناس في العيش بشجاعة.إن الشكل الهجين للكتاب ــ حكاية خرافية، أسطورة، واقعية سايكولوجية و فنتازيا ــ أمر مؤثر. لكن تقديمات شو الأكثر إبهاجاً هي التفاصيل المفعمة بالحيوية التي يزود عمله بها لإحداث الواقع السحري من الأمور. فإحدى الشخصيات ترتفع بشكل ماشيةٍ فراشية مجنّحة ( أبقار طائرة بحجم الحشرة) عميقاً في الغابة. و كما يكتب شو ،" إن بعض الثيران الأكبر كانت لها قرون مقوسة و هي تطير و رؤوسها محنية للأسفل كأنها تهاجم مصارعي ثيران شيطانيين. و كانت الذيول الشبيهة بالخيوط تتدلّى خلفها في ريحٍ تنجم عن طيرانها ". و عندما تلمس عايدة واحدةًً للمرة الأولى، تشعر بخفقة القلب الضعيفة " مثل خفقة كتكوتٍ مفقوس حديثاً ". و هكذا تبدو مقبولةً ظاهرياً و فاتنةً هذه الأبقار الضئيلة الحجم، التي يلوح العالم الفعلي أقلَّ تسليةً من دونها. و يمكن قراءة الزجاج هنا كاستعارة لمرضٍ نهائي. فعايدة تكتشف في قدمها بلوراً يأخذ بالانتشار. ففي الأول " كانت هناك أهلّة متلألأة من الضوء على حافة كل ظفر من أظافر القدم ". و بعد ذلك، " راحت عظام المشط تتلاشى في أجزاء قدميها البلورية الواضحة ". و هي تستمع بفتور إلى أفكار يمكن أن تنقذها، بل و تزور معالج الطب البديل في الجزيرة. و حين تجد أخيراً الناسك الذي كان قد رأى أجساماً زجاجية، فإن مشورته تبدو أشبه بنصيحة تُعطى لمريض في حالته النهائية. مع هذا، تقاوم الرواية هذا التوازي البسيط. و كما يقول الناسك لميداس، " إن هذا ليس مرضاً. فالزجاج الآن جزء منها، إذا شئت. مثل أظافر الأصابع أو الشعر الذي على رأسها ". و بالرغم من أن عايدة تقر بخوفها بشكل متكر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram