خضير الشايع عاش حضيري حياة شاقة منذ صغره. فقد حرم من حنان الاب ورعايته وهو في العام الاول من عمره، إذ قتل والده برصاص جباة الضرائب الاتراك.لقد تهافت على أداء الغناء الريفي مطربون من سائر المدن العراقية وخاصة بغداد، منهم زهور حسين، ومريم بنت عبد الله، من عشيرة الكطارنة،
التي عرفت باسمها الفني، ووحيدة خليل، وسعدون جابر، ولميعة توفيق، وفاضل عواد، وياس خضر. وقد أنجب قضاء سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار، وناحية العكيكة بالتحديد، مطربا ريفيا كبيرا، هو ناصر حكيم، الذي ولد في العام 1910. لقد تأثر حضيري بالغناء الحزين، المنبعث عن حنجرة عمته نورا، التي رعته وربته، والتي كانت محترفة في شعر النعاوى المغنى في المأتم، وفي هذا الشأن يقول حضيري أن أعصابه كانت تتمزق، وعيناه تدمعان، عندما كان يصغي لغناء عمته نورا..لقد اشتهر المغنون الريفيون بترديد الأبوذية على نغمات الإيقاعات لدنابك الطين, وصحون التنك والجينكوات والخزف.إلا أن المطرب العاطفي حضيري أبو عزيز أشتهر بحبه لدق الأصابع بين وصلات أغانيه, فأعتاد أن يقف أمام الميكروفون في أستوديو الإذاعة, كما يروي لنا الأستاذ ألبير من أفراد فرقة إذاعة بغداد آنذاك, ويدق أصابع يديه بين وصلات الأغنية, كما سنستمع إليه في بستة "هاي وين, وين جانتلي – ولفي يا يدور جتلي", وهي من نغم الحجاز. وقد أثر ابداع الملا جادر على أسلوب غناء حضيري ابو عزيز، فان وساطة وزير المعارف حينذاك، الشيخ محمد رضا الشبيبي، كانت حاسمة لجهة قبوله ضمن اسرة إذاعة بغداد.وخصصت الإذاعة لحضيري حفلة غنائية أسبوعية على الهواء مساء كل يوم جمعة، عند الساعة العاشرة، ومع موعد بدء تلك الامسيات كانت مقاهي بغداد على جانبي الكرخ والرصافة تغص بالرواد لسماع ألابوذيات، والبستات التي كان يقدمها حضيري خلال حفلته الأسبوعية.الضوء على المرحلة التي تلت غياب المرشد الفني لحضيري ابو عزيز ومعلمه الملا جادر الذي كان لع اعظم الاثر على مسيرته الفنية. وجاء غياب الملا جادر عن حياة حضيري، وهو في ذروة نشاطه الغنائي في الناصرية. ولعل قصة تعيين حضيري شرطيا في الناصرية ثم في بغداد تسلط الضوء على حياته . فخلال احدى الحفلات التي كان يحييها حضيري ابو عزيز في الناصرية التقى بمتصرف لواء المنتفك حينذاك جميل المدفعي، الذي كان احد المدعوين إلى تلك الحفلة، وابدى المدفعي أعجابه بصوته وباسلوب غنائه. وعرف المدفعي أن حضيري عاطل عن العمل، لكنه تعلم الخياطة على يد خاله، فاصدر أمرا بتعيينه (شرطي خياط) في الناصرية، ليصبح بعدها شرطيا للمرور في بغداد.فبعد ان اجتازت اغانيه وبستاته حدود الريف الى المدن العراقية كافة، بدأت زحفها الى خارج حدود العراق باتجاه سورية أولا، ومنها انتقلت الى باقي البلاد العربية. وأصبحت بستات حضيري، برقة كلماتها، وسحر أنغامها، على شفاه محبي الطرب في مدن عربية مختلفة، وكانت البستة الشهيرة [هلي يا ظلام هلي] في مقدمة تلك البستات والاغاني.كان ذلك في العام 1937 عندما وجهت شركة [سودة] السورية في حلب الدعوة الى حضيري أبو عزيز والفرقة الموسيقية العراقية المرافقة له. وأحيا حضيري حفلات غنائية تزاحم على حضورها الكثيرون من عشاق الطرب، وعندها سجلت له الشركة المذكورة 14 أغنية مقابل 300 دينار عراقي لكل أغنية. حضيري ابو عزيز اجتهد في ابتكار أطوار جديدة من الأبوذيات، كما سميت حينها بطور الحياوي نسبة الى مدينة الحي، وطور الشطراوي نسبة الى مدينة الشطرة وغيرها. كما أن زيارته الأولي لبلاد الشام ولقاءاته بالمطربين العرب، وخاصة الفنان اللبناني وديع الصافي، فتحت أمامه آفاقا جديدة، تجلت عندما عاد إلى العراق في رسم صفحات جديدة لمسيرته الفنية، وذلك عندما تعاقدت معه شركة [كولومبيا] لتسجيل باقة من أشهر أغانيه مثل: أشرب كاسك وأتهنى...واطلب علي وأتمنى. والموصل حلوة، وأحيا وأموت عل البصرة...خلت بكليبي حصره. وعمي يا بياع الورد. وكل تلك الاغاني اداها حضيري دون نوتة موسيقية مدونة، أو عزفه على أية آلة موسيقية، ودون ان يكون قد تخرج في أي معهد موسيقي.
حضيري أبو عزيز ..من شرطي خياط في الناصرية إلى شرطي مرور في بغداد
نشر في: 16 يونيو, 2010: 04:26 م