صباح محسنيعود المخرج روب مارشال، صاحب رائعة شيكاغو الفيلم الاستعراضي الموسيقي المهم. ليقدم رائعة جديدة بفيلم استعراضي مأخوذ من مسرحية بنفس العنوان والتي اقتبست أحداثها الأساسية من فيلم المخرج الايطالي الكبير فريريكو فلليني 8.5 منتصف الستينيات، والذي حاز على جائزتي أوسكار أحسن اخراج وأفضل فيلم أجنبي. وتم وصفه بأنه أحد أفضل افلام الايطالي فلليني حينها.
تعامل مع كتابة السيناريو اثنان من البارزين في مجال صنعة السيناريو وهما ميشيل تولكين وأنتوني مينيكهيلا، وقاما بوضع لمسات موفقة في الاشتغال على مساحات لمفردات التداخل بين ماهو موسيقي استعراضي وبين ماهو حواري تقليدي بتوازن محكم.عمل فني مقتبس من عمل فني كبير ومحسوم، بتناولاته الإبداعية في اهتمامه وادارته للموسيقى والمجاميع الراقصة مع الغناء المتوافق مع النموذج الذي تربطه تجربة مع المخرج كونتيني، وقد تمكن المخرج من زج ممثلات ذوات شهرة عالمية في اداء بعض الرقصات مع أدائهن للأغنية في نفس الوقت. فقد غنت بينلوبي كروز بصوتها وجودي دينيش أيضاً. وماريون كونتيلارد، وفيرجي بدور الغانية سرجينا مع اداء الممثل لويس دي دانييل بعض الوصلات الغنائية عن نفسه لمخرج محبط، مع اداء نيكول كيدمان أغنية أيضاً.قدم المخرج روب مارشال اشتغالات فنية سينمائية غير بعيدة عن مناخ الفيلم الأصلي لفلليني، ولأن الفترة الزمنية الممتدة بين عرض الفيلم الأول وبين العرض الجديد قد قاربت الخمسين عاماً.وخلال هذه المدة، تغيرت الكثير من المفردات في التعامل السينمائي من دخول أجهزة حديثة على مستوى الكاميرا والاضافات الكبرى في ذلك، مع التطور المذهل في الصوت وقوة الصورة ومختبرات طبع وتحميض الأفلام بطرق أكثر تكنولوجية مع استخدامات هائلة في الإضاءة وتعاملها مع مستجدات العلوم الحديثة، أضف الى ذلك المتغير الكبير في الاختصاصات العامة في الديكور والعلاقات العامة مع فرق فنية موسيقية تبلورت عبر استديوهات مخصصة للاخراج الموسيقي مثل فرقة برودواي التي تم اقتباس القطع الموسيقية التي حفل الفيلم بها، منها:موسيقى الفيلم قام باختيارها الموسيقي موراي باستون والذي ساعد في الإدارة العامة مع الانتاج مع المخرج المساعد مارتن هاريسون و آرثر كوبيت.موضوع يناقش مسألة الابداع بعد منتصف العمر. عن المخرج المفترض جويدو كونتيني، وانكساره النفسي، مع هروبه المستمر حتى من اقرب الناس اليه زوجته لويزا، فنان غير متزن، يعاني أزمة وجودية مع تشكيك عالٍ بمصادره الثقافية والدينية، يبدو للآخرين وكأنه ملحد أو عبثي، محاولات عديدة خربت من اصدقائه الفنانين لتشجيعه على العودة الى فنه واخراج فيلم جديد له، باءت بالفشل، شخصية موزعة بين طفولة عابثة لا تخلو من تمرد، مع معاناة شديدة في علاقاته النسائية من تلك الممثلة التي تعد ملهمته الى عشيقته السوقية، الى زوجته التي تعاني حرمانها من إهتمامه الى علاقته المضطربة والقديمة مع أمه، الى لجوئه لمصممة أزياء افلامه ليلي وتمدده أمامها وهي تشعل له السيكارة باستمرار، وذلك لبحثه عن الحنان والاتزان، وهذا ما لا يجده سوى عند المصممة ليلي.أدرك المخرج روب مارشال فكرة العمل بوعي فني عالٍ، خاصة وأن له تجربة مع فيلم استعراضي ناجح هو شيكاغو، وصاغ اشتغالاته الفنية باحكام، مازجاً بين ماهو سينمائي وما هو مسرحي، بتلقائية محكمة، حيث تداخل المشهد سينمائياً وبحدوده الجمالية مع متطلبات المشاهد ذات المسحة المسرحية، لفصله المشاهد بطريقة فذة، حيث هناك ما هو عائد لكونيتي وهو طفل ضمن رؤيته للأشياء والعالم. ومزاوجة ذلك بمرحلة اليأس التي ضربته بعنصر ابداعه، واتكائه على طفولته بشكل طاغٍ، إذ كانت طفولته لا تخلو من اضطراب له علاقة بسلطة أمه المطلقة والتزامها الكنسي والذي ينسحب عليه وهو كبير، ويؤثر ذلك في رؤيته لما هو ديني بطريقة ساخرة في اغلب اعماله، خاصة اللقا والذي صحبه مع احد الكرادلة في حوض مشترك وسط حمام في المدينة، وتأنيب رجل الدين له، من أنه يبالغ في اخطاء المرأة الايطالية وكأنها عاهرة، ومحاولة الزامه بكل ماهو أخلاقي ويدفع باتجاه تخليصه من خطاياه برسم صورة للمرأة الايطالية بنوع من الاحترام والمثالية، مع أن أغلب افلام هذا الفنان المتردد تحاكي موضوعة الجنس في المجتمع الايطالي وقد احتج مساعد الكاردينال على استخدام كونتيني كلمة هل تؤمن بالرب موجهاً ذلك السؤال لرجل الدين، والتي لاقت احتجاجاً واضحاً من مساعده، لكن الكاردينال، حاول أن يمد له يد المساعدة بتخليصه من تشاؤمه وارجاعه الى طريق الله كما وصفها له لكن كونتيني يغرق نفسه داخل الحوض مسترجعاً طفولته حين كان يتسرب من البيت أو حضور الكنيسة مع أمه لينطلق هو وأصدقاؤه الى ساحل البحر ليستدعي الراقصة والغانية سرجينا لتقديم بعض الوصلات الراقصة والخليعة له ولأصدقائه مقابل ثمن ابان فترة العشرينيات والتي لا تخلو من تأثير الكنيسة المباشر على جيلٍ كامل من مواليد كونتيني.وفق المخرج كثيراً في عمليات التقطيع أثناء رجوع كونتيني لطفولته وتمرده عن الذهاب للكنيسة ومحاولة التملص من سلطة أمه وذلك من خلال التداخل بين المشاهد واللقطات المتتالية بين ما هو بالاسود والأبيض وبين المشاهد الآنية بالالوان.أجواء ومناخات قريبة الشبه من تلك التي اشتغل عليها فلليني استديوهات ضخمة ذات
فيلم "ناين".. جذوة الإبداع فـي خريفها الإيطالي
نشر في: 16 يونيو, 2010: 04:42 م