لطفية الدليميرواية (اليزابيث كوستيلو) رواية عن كتابة الرواية يسرد فيها (كوتزي) سيرة روائية استرالية اشتهرت عالميا وتعيش مأزق ان تكون إحدى رواياتها سبب شهرتها بينما تظل أعمالها الأخرى مجرد ظلال للرواية فلا يسألها احد عنها لذلك تعمد في محاضرات التكريم إلى طرح آراء فلسفية تبدو صادمة للرأي العام ..
و (ج.إم.كوتزي) الروائي الجنوب أفريقي والصانع البارع للاتجاهات الجديدة في الرواية الحديثة، كاتب برؤية فلسفية متفردة ومواقف رافضة للفصل العنصري ، تتصدى أعماله للقمع وغياب الحريات وتلفيق الساسة لمبررات الحروب وتصنيع الكراهية، وإلى جانب كونه علما من أعلام الرواية فإنه كاتب مجدد لا يتوقف عند شكل محدد للإبداع الروائي، وقد عمل أستاذا للأدب الإنجليزي في جامعتي نيويورك وهارفارد ثم جامعة جون هوبكنز وأخيرا أستاذا في جامعة أسترالية حيث يعيش عزلته هناك ، نال جائزة البوكر مرتين ، ثم توجت إبداعاته الروائية الكبيرة بجائزة نوبل للآداب العام 2003 وبرز كناقد أدبي في نيويورك خلال عمله كأستاذ للأدب، رواية «إليزابيث كوستيلو» التي كتبها بعد نيله جائزة نوبل للآداب، عمل يتحفظ النقاد التقليديين على وصفهم الرواية كونها مزيجا من المقالات والدراسات والكتابة الروائية حتى إنه وضع بعض فصولها في أعمال منشورة كدراسات نظرية مثل «ما هي الواقعية؟» و«حياة الحيوانات»، ويتناول العمل حياة الكاتبة(كوستيلو) وهي في عقدها السبعيني ، تزور أميركا لتسلّم جائزة عن أعمالها وتناقش في محاضراتها وحواراتها طروحات عدة من بينها الشكل الروائي ومفهوم الواقعية والرواية في أفريقيا ومشكلة الشر التي تحتل مساحة واسعة من الرواية، ويقدم كوتزي خلال متابعة أنشطة ومحاضرات السيدة كوستيلو جملة من الأفكار حول الكتابة وعلاقة الإنسان والفلسفة بالحيوانات وعلاقة الشعراء بالحيوانات والإنسانيات في أفريقيا، رواية ممتعة ومثيرة وثقيلة الوطأة في آن معا لخروجها على النمط الروائي السائد في عصرنا واحتوائها على مساجلات نقدية حول الكتابة الروائية ومميزات الرواية الأفريقية ومفهوم الشفاهية لدى الأفارقة. يقول(كوتزي) على لسان(كوستيلو): (إن كلمة رواية التي دخلت إلى اللغات الأوروبية كانت تعني شكل الكتابة التي لا قواعد لها، التي تخلق قواعدها الخاصة وهي تتشكل) وأنت تقرأ رواية (إليزابيث كوستلو) الممتعة تكتشف أن هذه هي الرسالة النقدية المهمة التي شاء كوتزي أن يبلغنا فحواها: الرواية هي التي تصنع قواعدها خلال تشكلها، ليس ثمة قواعد كتلك التي يضعها النقاد التقليديون ويحصرونها ضمن قالب مدرسي جامد.. من بين أهم روايات كوتزي (في انتظار البرابرة) و(الرجل البطيء) و(عصر الحديد) و(حياة مايكل وأوقاته) التي نال عليها جائزة البوكر1984 و(العار) التي حصدت بوكر 1999، وكانت رواية (في انتظار البرابرة) قد ترجمت إلى العربية في عقد التسعينيات، واستعار كوتزي عنوانها من قصيدة (كافافي) الشهيرة (في انتظار البرابرة) وفي تلك الفترة المضطربة عندنا كان تلفيق التاريخ قد بلغ غايته وسط حملات الترويج لانتصارات وهمية والتلويح بالوحي الالهي الذي مافتئ يخاطب (القائد الملهم) ويسدد أهواءه نحو مذابح وحروب جديدة، وتماهي الذين قرأوا قصيدة الشاعر اليوناني كافافي (في انتظار البرابرة) مع تلك المدينة التي ضربها اليأس والخراب وبدأت تتهيأ لوصول البرابرة المنقذين وكأنها تزين نفسها لعيد سينهي خرابها ومتاعبها، وخلال استعدادها توقفت الأعمال وخرج الناس إلى الميادين في أزهى حللهم، واعتمر الملك تاجه، وتوقف مجلس الشيوخ عن تشريع القوانين (فالبرابرة قادمون وهم من سيتكفل بسن قوانين جديدة !!)، ويمر الانتظار ثقيلا حتى إذا هبط المساء على المدينة حل الحزن والقلق لدى الناس، إذ جاء من يخبرهم أن ليس من برابرة قادمين، فيصيب القنوط المدينة التي حلمت بقدومهم وآمن أهلها بأن البرابرة كانوا نوعا من الحل. يعكس كوتزي فكرة برابرة كافافي في روايته فبرابرته ليسوا المنقذين الآتين من المجهول، إنما هم الضحايا من البدو الرحل والمزارعين الذي يزودون المدينة بالغلال والطعام على مدار العام، يستغل الجنرال الحاكم تجوال هؤلاء عند أطراف المدينة لإيهام ناس البلاد بوجود أخطار تهددهم وليضاعف عمليات القمع والإرهاب بدعوى اقتراب هجوم البرابرة على المدينة. يخبرنا أحد شخوص الرواية أن (ما جرى في الحملة العسكرية على مناطق البرابرة لم يكن عملية متابعة لعنف وإرهاب، ولكنه صناعة واعية للأعداء والكراهية، وما كان يبدو من عمليات قتل وسرقة لم يكن على أيدي البرابرة ولكن على أيدي جماعات الجنرال.
قناديل: كوتزي بين اليزابيث كوستيلو والبرابرة
نشر في: 19 يونيو, 2010: 04:48 م