ياسين طه حافظكثيراً ما توقفنا امام عالمية الثقافة واعتراضات الهوية. فالمدّخَر التاريخي والمذاق القومي او الوطني ما يزالان حتى الان مصدر ارتياح واعتزازً. وهذان ايضا ما يزالان يشكلان اول اعاقة لمواصلة الكلام بـ "المسلَّمات". التي يصنعها العصر. بايجاز هما المصدر الرئيس للقوة الضد.
لكن انتقال المعلومة والصورة و "اشتراكية" مراكز البحوث والدراسات ومواقع الانترنيت ...، كل هذه اضافت قوة للحركة المتقدمة. كما ان اقامة الجامعات الامريكية والاوربية جامعات مماثلة في بلدان بعيدة عن مصادرها او مراكزها، لا يعني نفوذاً سياسيا حسب، ولكنه يعني، وبالدرجة الاولى، تأهيل البيئات المحلية لتقبل الجديد القادم من البلاد البعيدة.إذن، كلمة "الاجنبي" صارت تفقد بعض خشونتها وبعضاً من اجنبيتها. وهذه ظاهرة. قد تكون جديدة في التاريخ الحديث. فنحن لا نمتلك وثائق كافية تكشف لنا مثل هذا التحرك الثقافي، الواسع والمتنوّع، في التاريخ القديم، اللهم الا في بعض احوال قبل الميلاد.المسألة لم تعد مقاومة وطنية للكولونيالية، فهذه ثُلِمَ رأسُ رمحِها بغياب الاتحاد السوفيتي، المصْدَر الايديولوجي الرئيس والتربوي لهذا النزوع. المسألة الآن ان المنطقة عطشى للمعلومة، للمستجدات التقنية وللافكار العصرية الاكثر حداثة او تقدّماً. يمكن القول ايضاً ان رغبة الشعوب بتغيير واقعها السياسي والاجتماعي سبب آخر مهم لذلك.نحن لانكشف سراً اذا قلنا ان الولايات المتحدة الامريكية اليوم هي مصدر رئيس للثقافة من خلال السينما والتلفزيون وكذلك هي مصدر رئيس للمعلومات والابتكار. ومنذ الحرب العالمية الثانية بدأ الشعور بان الجديد الثقافي والانفتاح الفكري في الولايات المتحدة يتسمان بالاشراق والرحابة وانهما جذابان هناك اكثر مما هما عليه في بريطانيا والمانيا. وقد اشار الشاعر و.هـ. اودن الى ان الجو الثقافي والاكاديمي قاتم في بريطانيا. اليوت ايضا اشار الى ذلك القتام مما جعل الاثنين يتركان بلادهما ليعيشا هناك.وليس صحيحا قطعاً ان نعزو ذلك الى التفرد الامريكي بالقطبية او باحادية القطب في العالم. نحن نعلم اليوم ان اليابان والصين والاتحاد الاوربي والهند مراكز قوة ايضا. كما ان العالم يختزن قوى من نوع آخر. فما يزال عالمنا تحت تهديد المنظمات الاقليمية والعالمية من اعلى والمليشيات والمنظمات غير الحكومية والشركات من اسفل. وكل هذه تعمل ثقافة وتخرّب ثقافة.لكن حقيقة تقبل الثقافة الحديثة ذات الملامح الامريكية الابرز، تستند الى الحاجة الى ثقافة اكثر حداثة، اكثر تحولاً جذرياً واوسع قدرة على الحركة. تقابلها سعة تقبل وسعة احتياج. وفي "التكامل" او "اتساق" الثقافات الغربية، وهي مازالت عندنا تحمل صفة العالمية، نكون امام قوة العصر الثقافي وانجازه التقني والابداعي.وسواءٌ في صناعة السيارات او في الكتابة الادبية وطرق البحث، نرى ظاهرة النماذج المشتركة في الصين واليابان والولايات المتحدة وبدأنا نجدها في الهند وجنوب افريقيا. ووصل بعض من هذا الى ايران و اسرائيل. قد تتأخر حداثة الادب والفنون قليلاً في ايران بسبب الطهرانية الدينية والوصف الاداري للحكم، لكنه قد يتماثل مع الاوربي الامريكي في مصر وتركيا، مثلاً. ايضا، نحن نرى مشاركة دولية تسهم فيها حتى الدول الصغيرة النامية في اتفاقيات مثل حقوق الانسان والطفل ومن خلال مؤسسات الامم المتحدة، او التعاون بين الاتحاد الاوربي والاتحادات الاقليمية كالاتحاد الافريقي والجامعة العربية والفرانكوتيات و الكومونويلث وعبر اتفاقيات كثيرة تمتد من التجارة الى الطاقة والثقافة والامن والصحة والفضاء والبيئة... هذه كلها ممهدات لطريق حضاري سالك للجميع.فاذا استمر تناقص معدلات الولايات المتحدة من واردات العالم واستمر تناقص معدلات النمو فيها مقابل تصاعد المعدلات في الاسيويات الكبيرة، نكون امام فعل قوي آخر. واذا اضفنا، بحكم ذلك، تناقص القدرات العسكرية الامريكية لاسباب اضطرارية او لانعدام الحاجة، وتزايد اختراقها ...، يجعلنا مجموع هذه العناصر المُحرّكة امام تزايد مكوّنات التشكيلية الثقافية للعالم، بحكم التقاربات والاتفاقات التي تفرضها، كما فرضت من قبل، الضرورات ومقتضيات السلوك الدولي الجديد. معنى هذا انا سنكون بازاء ثقافة "عالمية" تحمل انساغاً عالمية مختلفة ومتحدة في الفعل الثقافي العام. كما اننا الان بازاء ظاهرة ان هناك ناسا من مختلف البلدان يبيعون افكارهم ونشاطهم العقلي وهناك مؤسسات وشركات تشتري هذا النتاج. قد تكون في هذا سلبية ولكن الظاهرة تشير ايضا الى مشاركات من نقاط متباعدة في العالم باتجاه هدف واحد، قد يكون هو ايضا مشتركاً. بعض المؤسسات الانتاجية الامريكية بدأت تعمل على امتلاك مستوى افقيا من الشركاء، من الصين واليابان عبر اوربا. هذا تحول مهم في ثقافة الانتاج. شركات صغيرة صارت مراكز مهمة على خط التواصل الجديد هذا "المتصل فقط سيستمر في الحياة" هكذا قال تابسكوت وليمز. وهو تفكير صريح بضرورة الاتصال. فأي انغلاق يعني نوعاً من الموت في العصر، اعني في عالم التعاون والاتصال الجديد.كما ان منظمات حكومية من شعوب مختلفة تتولى مهام ترفضها
الثقافة الكونية القادمة!
نشر في: 20 يونيو, 2010: 04:59 م