عبدالله السكوتياعتاد الصفارون في بغداد عند وفاة احدهم ان يقفلوا حوانيتهم في سوق (الصفافير) ويخرج جميعهم لتشييع جنازة المتوفى، وهذه عادة يعرفها اهل بغداد ولهم مثل فيها (عزّل سوك الصفافير)، وذات يوم توفى احدهم فاقفلوا السوق وسار الجميع خلف الجنازة، ولما مروا من سوق البزازين في طريق الجنازة الى الكرخ، اسرع احد البزازين اليهود فاقفل حانوته وتبع جماعة المشيعين وهو يبكي بكاء مرا،
ولما وصلوا الى مدخل الجسر رآه احد ابناء طائفته فاقترب منه وهمس في اذنه: (اشبيك ابو حسقيل؟) فاجابه: (بدا لك قد ابكي على هل الميت)، فقال له (وانت اشكون؟ ماانت يهودي وهذا كوييم) ويقصد هذا مسلم فاجابه: (ورك انا ماقعد ابكي علينو) فرد عليه صديقه (بس على من) فقال: (قد ابكي واقول: هذولي شيخلصهم ويحد ويحد).وهذا المثل يضرب لتمني الموت بالجملة، وان تأخرت دعوى اليهودي ولكنها تحققت في النهاية لان الموت صار بضيافة العراقيين، واصبحت شهادات الوفاة تكتب كما يكتب الطلسم فالجماعة الاطباء يجهلون الكثير من اسباب الوفيات لكن لديهم شيء جاهز هو التسمم بالدم، كان جالسا قربي في مكان ما رجل جاء للتو من المانيا، هو شاب في مقتبل العمر لكن وكما يقول فالعراقي يحمل همومه واحزانه معه اينما حل، حكى لي انه مرض في يوم من الايام وذهب الى المستشفى، يقول لم ار طفلا اوشابا في ذلك المستشفى فقط رأيت من كبار السن، ومع هذا حين دخلت على الطبيب، عجب من امري وقال: مم تشكو؟ فقلت له: انا اعاني الما في امعائي، عندها ابتسم الطبيب واشار الى رأسي بعد ان عرف جنسيتي وقال: هنا السبب. ضحكت وقلت له: اي واحد يعزي الاخر يقول هذا يومه وفي ليبيا يقولون تمت ايامه، ولم يبق له يوم اضافي في هذه الحياة، وقلت له: هل يموتون هناك؟ فقال ليس كما نموت هنا، هنا الموت صار شيئا عاديا، ولكني لم ادعه بل اردفت الايأتي يوم احدهم قبل الشيخوخة والهرم ؛ عندها علمت ان نسبة الوفيات في العالم العاشر وليس الثالث تفوق نسبة الوفيات هناك في الاطفال او البالغين، لانهم هناك اكثر انسانية من الطبيب لدينا، واحسن من الطبيب الذي قضى احد المراجعين في غرفته دون ان يعثروا على الطبيب المقيم، ولذا تكون حجة الطبيب لدينا: (العلينا سويناه لكن الله اراد شيئا آخر)، لم نكن ملحدين.. ونؤمن بقضاء الله وقدره لكن هذا لايعني ان تترك المريض الذي دخل سيرا على قدميه للمستشفى يخرج ملفوفا على الواح، وانت لاتدري مم مات قد يكون الامر متعلقاً بعدوى وباء خطير، او فايروس لايمكن السيطرة عليه، كما اشيع قبل شهر من ان الحمى النزفية في كربلاء والموصل، لكن مدير صحة كربلاء نفى ذلك، لسنا متخلفين كهربائيا فقط وحين نخرج لنطالب بتوفيرها نقتل ونهان كما حدث في البصرة والكرادة، لكن الشعب اخذته الحيرة بمن يطالب وماذا يريد، لو كانت مسألة واحدة لهان الامر وتحمل، ولكنه كما قال الشاعر:وسوى الروم خلف ظهرك روم/ فانظر الى اي جانبيك تميللك الله يامسرفا في الموت قدر حبك للحياة ولك الله من صابر مزق احزمة الصبر واحجاره، ولك الله من مصادر ومأخوذ من الجميع:النفايات النووية والمفخخات والحمى النزفية، والعواصف الترابية وكيد الجيران وغدر الاصدقاء وتحالف الزمان، لك الله من موغل في الخسارة والموت، ومع هذا يبقى الموت ربما خير من البلاء والداء حيث قال المتنبي:كفى بك داء ان ترى الموت شافيا/ وحسب المنايا ان يكنّ امانيا
هواء فـي شبك: (شيخلصهم ويحد ويحد)
نشر في: 20 يونيو, 2010: 07:40 م