فاضل الخياطسأل احدهم رجلا حكيما عن الاكثر لياقة في السير في الجنازة، ابعد الله عنكم كل بلاء ومكروه، وراء التابوت، امامه، او الى جانبه؟ فأجابه الحكيم: سر حيثما تشاء، المهم ان لا تكون في التابوت. تذكرت هذه الحكاية وامامي ابيات لعبد الله كوران يشير فيها بوجع تحذيري من ان لا يكون الكوردي والعربي حطبا لنار الاخرين، وقد جال في خاطري سيل اشرطة للتاريخ الفجائعي الذي وسم العلاقة بين الكورد والعرب في عصرنا الراهن هذا.
تقول الابيات:"اخي العربي كم من عباءة تهرأت لكوكم من شروال لي كذلكونحن نموت سُخرة حاملين احجار الظالمين"لست بالطبع في صدد الخوض في تلك العلاقة ( العربية الكوردية) ولكني احاول بسعي حثيث للاحتفاء بكوران، ان القي نثار ضوء على دور المثقف في المعادلة السياسية، سيما وان رائد التجديد في الشعر الكوردي معروف كحبل مودة بين الكورد والعرب، ومن الدعاة في اشعاره كما في سيرته الى جدوى ان يتساكن الكوردي والعربي في بيت واحد، حول مدفاة واحدة، خاصة حين يشتد الجحيل في شتاء عراقنا الوقور، وحين يخضب طلعُ الثلوج هامات الشمال الباسقة. يشير عديد من علماء السياسة والاجتماع الى انه بعد زوال عصر النفط ستنشأ دول، اول تأسيسها يكون على شبكة الانترنيت، ولاحقا في مكان فيزيائي، راسمالها المعرفة والعلم، تديرها المؤسسات الثقافية التي تملك مواردها المالية الذاتية واستقلالية قرارها وتحررها من شرائط السياسي، بل ان لها اليد العليا في علاقتها مع الاخير تأمر وتنهي كما تسول لها معرفتها، سلاحها المعلومات وشعارها قولة النفري" كلما قويت في العلم قويت في الجهل". دول ذكية تمول ميزانيتها من امتلاكها لارشيف معرفي ومعلوماتي ضخم في لغات العالم كلها ( الحية والميتة). مواطنوها منتشرون في جهات الارض ولكل واحد منهم اسم وهوية ورقم وسجل وكلمة مرور (باس ويرد). ولها رئيس وبرلمان ووزارات وجيش وشرطة وعلم ونشيد وطني ومؤسسات وسفارات وحيوانات ومواقيت وتدفع رواتب وضمانات اجتماعية لرعاياها. ولكل انسان في المعمورة الحق في ان ينتمي اليها او يسعى لنيل جنسيتها بعد تقديم طلب واضبارة وسيرة حياة وكفاءات، وبعد اجتياز اختبارات السلوك والافكار والعقائد التي في جعبته. من اول شروطها ان يكون المتقدم لا عقيدة دينية له ولا آلهة غيبية، علمانيا غير اصولي او متشدد في علمانيته، لا يملك يقينا ولا ايمانا مطلقا، بل ان يكون ايمانه الوحيد الراسخ هو ان المعرفة، المعرفة وحدها هي السبيل الوحيد والاوحد الذي يقود الى منطقة الامان " الجهل التام"، غاية الانسان المثلى ومحطته الاخيرة في مشواره الكوني. سنفرد لاحقا مقالا موسعا في مواصفات "دولة المعرفة "هذه وامكان "التمهيد" لظهورها. مع حفظ حقوق التاليف و"براءة الاختراع"  لصاحب هذه السطور. في الدول المعرفية، ينسج المثقف هوية الدولة او الامة او الوطن او المجتمع على هواه، مع افتراض تسليمنا بضرورة وجود "هوية جماعية " حاضنة للهويات الفردية ليتسنى لك خلق مجتمع. الهوية  في معناها الديناميكي المنفتح على الاخر/ في توصيف لهيدغر، وليس المعنى الشوفيني المنغلق الذي مصيره الانكماش والزوال، لاسيما اننا قد شهدنا غير بعيد زوال عصر تلك الهويات القومية. الفواجع المرعبة كانت مجمل ما امكن لها ان ترثنا اياه. ولأن المعرفة قوامها الثقافة، فان بنية الدولة المعرفية المتوقع ظهورها ابان زوال عصر النفط، تتأسس حتما على الثقافة وعلى آفاقها التي تتحرك اليها. ولمعرفة ثقافة الـ " نحن" لا بد من معرفة لغة الاخر وثقافته ( الثقافة صفة مجتمعية اساسها ومنبعها وحاضنتها اللغة). الاخر هو كل لغات الارض وثقافاتها. كل لغة هي اسلوب تفكير وطريقة حياة، كل لغة هي عقل وفقا لعلم " الحتميات اللغوية" Linguistic Determinism. وهذا ينتهي بنا الى ان معرفة الانا امر لا يمكن تحصيله والفروغ منه، بل هو سعي لا نهائي يدوم ما دامت الحياة. وفي السياق ذاته تحضرني قولة لرامبو " الانا هو آخر". يمكن قلب القولة لتصبح الاخر هو انا. معرفة الاخر شرط اساس لمعرفة الانا. واستحبابا، اجد ميلا الى تحريف قولة سقراط الشهيرة: اعرف نفسك لتصير: اعرف الاخر كي تصل الى معرفة نفسك.مع ظهور دول المعرفة، وارجو ان لا يحمل هذا الكلام على انه توجه في الاعراق والاجناس، بل نتحدث هنا عن ( ثقافة لغة، وشعب لغة ما)،  سيكون الشعب الكوردي قياسا لشعوب جغرافيتنا الساخنة على الدوام، اكثر اهلية للسبق في تشكيل تلك الدولة، ومن عناصر تلك الاهلية عوامل كثيرة، منها لكي نذكر البعض، معرفة الاخر لجهة معرفة اكثر من لغة، ليس من كوردي لا يتحدث في الاقل اكثر من لغتين، عبد الله كوران نموذجا، كان يجيد خمس لغات. الدياسبورا الكوردية والقاعدة الشعبية في نواحي العالم. العلاقات السياسية التي بناها الكورد في العقود الاخيرة مع زعماء العالم. الوعي الجماعي الغربي بقضية الاكراد المثقل بضربات معاول الضمير والشعور بالذنب منذ الغاء معاهدة سيفر. كردستان العراق الفيدرالي حيث يمكن عده برهانا جليا لنموذج دولة ديمقراطية مصغرة اثارت اعجاب الفاعليات العالمية  وحظيت بتأييدها القوي. غياب المنفذ البحري وقلة الموارد الطبيعية هي حافز ايضا ودافع لتحصيل البدائل