عبد العزيز لازم يطيب للعراقيين دائما التباهي بأنهم شعب لا يسكت على ضيم ، وان الشعب اذا صبر فانه صبر الحليم الذي سيقول كلمته في وقت آخر ، عندها سيكون الفعل أكثـر مضاء من الكلام . ان هذه الثيمة الشعبية تجذرت في وعي أصحاب الشأن مع استمرار تفشي الغبن الحقوقي الحياتي في أوضاعهم . وقد ارتبط التجاوز على الحقوق بمشكل السلطة دائما .
فالسلطة في قسم من جوانبها أسلوب للتعامل مع حقوق الناس باتجاه الإشباع النسبي او الكلي وحسب المستطاع باشتراط المكاشفة والمصارحة حول طبائع المشاكل وآفاق حلها . في المثال العراقي هناك حالتان اكتسبتا الطابع التاريخي نظرا لقوة تأثيرهما على المزاج الشعبي والتفكير الشعبي ، وهما تراكم المشاكل نتيجة للعجز او الامتناع المخطط المزمنين عن تقديم الحل من قبل السلطة والثانية تعرض الإنسان للخداع الصارخ على يد تلك السلطة أيضاً. فتبدو المشاكل باستمرار مستعصية على الحل برغم توفر المستلزمات والشروط اللازمة لذلك . ويدخل هنا عامل إضافي لا يستهان بدوره في التأثير على تعاظم الإحساس بالغبن لدى العراقيين وهو إمكانية المقارنة بمشاكل مشابهة تحدث في بلدان أخرى مجاورة وغير مجاورة تمتلك إمكانات اقل من العراق أو إمكانات مماثلة ،لكنها تجد الطريق إلى الحل بعد مضي فترة معقولة وضريبة معنوية مقبولة . بينما تواصل في العراق ضربها في أفق وعمود الحياة نازلة إلى عمق الروح والعظم أيضاً. حصل ذلك مع مشاكل مثل السكن وعمارة المدن واستمرار الفوارق الهائلة بين الريف والمدينة رغم ضيق مساحة العراق وقرب القرية من المدينة مكانيا وخدمات الزراعة وماء الشرب والكهرباء والصرف الصحي إضافة إلى استمرار عجز الدولة عن حل المشكلات القانونية تاركة المجال للتفكير القبلي المسيطر على عقول الناس في الريف والمدينة في تقديم هذه الحلول التي عادة ما تتسم بالوقتية وضعف العمق التربوي الحضاري على سلوك الناس، اذ سرعان ما تتجدد نفس المشاكل لنفس الأسباب، وقد ساعد ذلك (ولا زال فعالا) على ضعف ثقة الناس بشيء اسمه الدولة والقانون . المتابعون الذين يلجؤون إلى رد أصل المعضلات إلى طبيعة السيرة التاريخية لظروف البلاد وهم على حق تماما في ذلك يحاولون إثبات وجود نوعين من المعطيات المحركة والمفسرة للمشاكل في كل بلد أولهما أرضيات مشتركة ومتفاعلة بين الشعوب وثانيهما ظروف خاصة وسمات مقتصرة على الشعب المعني دون غيره. وحينما يتم تطبيق ذلك على حال الشعب العراقي تبرز ألينا نتائج تصادق على هذا التصور فميل الشعب العراقي إلى الديمقراطية برز في فترات نادرة أزيح عن كاهله عوامل الضغط المعيقة للديمقراطية المتمثلة بأزمنة السلطات الدكتاتورية . حصل ذلك في اعوام1958 - 1959 -1960 وحصل ذلك بعيد التغيير عام 2003 ثم عادت الأمور إلى الانتكاس فكانت كحلم الومضة في حياة شعب بأسره.فبعد الحدث التاريخي المتمثل بثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 كان النزوع العام للشعب نحو الوحدة الوطنية صادقا وعارما وكانت المكونات الاثنية التاريخية منفتحة على بعضها والكل يعترف بحقوق الكل ، وكان الكل يتحدث عن الخطط الخمسية وآفاق الازدهار الاقتصادي والمعيشي والثقافي أيضاً، أي كان الأمل قويا في ان تتطور كل من الحياة المادية والروحية بشكل متوازن . لكن هذا الأمل لم يواصل الحياة وعادت الظروف تأخذ مجرى الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي فعادت عجلة التقدم الى الوراء بحلول عصور الديكتاتوريات والأجرام السياسي . أما بعيد التغيير في 2003 فقد شعر الناس لأول وهلة ان ثمة أمل حقيقي بالتغيير نحو الأفضل بعد عقود عجفاء من الدكتاتورية . ولم تكد تلك السنة ان تنتهي حتى خبت الآمال في ذلك ، حيث أصبح كل شيء مرتفع الثمن ألا الإنسان . لقد صار البشر العراقي موضع متاجرة سياسية بعد ان دخل سوق السياسة تجار بضاعتهم الوحيدة قتل الحياة ، لم يكتفوا بقتل البشر بل ابادة الطبيعة أيضاً. وتوفرت ظروف غريبة أدت إلى خنق النهرين العظيمين دجلة والفرات . وكأن القائمين بذلك قد اغاضهم تغني العراقيين بحضارتهم القديمة التي انطلقت على ضفاف النهرين وبفضلهما . والمفارقة ان الشعب العراقي اعتاد تقديم العون للشعوب المجاورة بما في ذلك الدعم الحضاري ، فيجمع المؤرخون على ان الشعوب المجاورة قد أخذت من منجزات الحضارة العراقية القديمة الشيء الكثير بل ان مساهماتهم الحضارية اللاحقة قد اكتسبت إمكانياتها فقط بفضل ما أعطاه العراقيون إليهم . فكان الميكانيك العراقي (العجلة والمحراث ودولاب الفخار ونول الغزل) وعلم الفلك والطب والكتابة والرياضيات والملاحم هي مادتهم الأساسية في حياتهم التي طوروها لاحقا . لقد تزايد الوعي بحقائق التاريخ العراقي منذ فترة وجيزة نسبيا، هي فترة الانفتاح على العالم الحديث الذي ساعد ممثلوه من الاثاريين على التعريف بهذه الحقائق . لكن تناقضا صارخا ضرب عقول الناس العراقيين حين فرض عليهم العيش في ظل أنظمة متخلفة أرادت السطو على التاريخ لصالح أحلامها المريضة فكانت عملية إرجاع التاريخ الحديث إلى الوراء لتسبب صدمة روحية ومزاجية في الوعي الجمعي .حصل هذا في الوقت الذي وجب أن يكون الوعي بالتاريخ مهمازا لتحريك المزيد من الفعل الحضاري إلى الإمام . لكن جذوة المعارضة المزمنة للأنظمة
حراك الشارع من أجل الكهرباء.. هل هو بداية للإصلاح السياسي؟
نشر في: 23 يونيو, 2010: 04:52 م