أصدرت مؤخرًا روكسانا صبري، الصحفية الأمريكية من أصل إيراني التي سجنت في إيران بتهمة التجسس، كتابًا حول محنتها في السجن. في كتابها " بين عالمين"، تكشف روكسانا بأسلوب بليغ أسباب اعتقالها والكفاح المعنوي لمن يفقد حريته. يتغنى كتاب صبري المؤثر والمليء بالمعلومات بالحريات التي يفتقدها العديد من رفاقها الذين يعيشون في إيران.
لفتت روكسانا صبري أنظار العالم عندما ألقي القبض عليها وزج بها في سجن إفن قبيل الانتخابات الإيرانية التي جرت عام 2009. لم تتوقع روكسانا أن تكون أحد السجناء في هذا المكان المشهور الذي يخشاه العديد من النشطاء الإيرانيين. تتحدث روكسانا في كتابها، "بين عالمين" حول هذا المنعطف في حياتها.الآن وبعد أن انتهى الكابوس وتعافت روكسانا من الإضراب الذي بدأته منذ أسبوعين سعيًا من أجل محاكمة عادلة، ترى روكسانا في كتابها عونًا لها للتعامل مع الندوب الجسدية والنفسية التي خلفتها تجربتها في السجن. تروي روكسانا قصتها بداية باعتقالها وسجنها دون معرفة التهم الموجهة لها مرورًا بحبسها الانفرادي واعترافها بجرائم لم ترتكبها تحت وطأة جهاز قضائي فاسد، حيث تسلط الضوء على معنى فقدان الحرية.                       تبرز خبرة روكسانا في الصحافة في قدرتها على خلق تشويق يجعل من الكتاب قصة مثيرة، حيث عاشت روكسانا منذ اعتقالها إلى محاكمتها قلقًا غير مسبوقين. الأهم من ذلك هو قدرة روكسانا على سرد قصتها دون تهويل أو تمجيد لذاتها.الكتاب مثير في عرضه لكن أهم ما فيه هو الأسئلة الوجودية والأخلاقية التي تثيرها روكسانا. واحد أهم هذه الأسئلة هو قيمة الحياة والحرية إذا كان الكذب هو الثمن. أقرت روكسانا أنه عندما سجنت اعترفت بالتجسس لحساب السي أي إيه مستغلة كتابًا كانت تؤلفه عن إيران كغطاء لمقابلة قطاعات واسعة من المجتمع الإيراني. على أية حال، بعد مقابلة زملائها في القسم رقم 209 في سجن إفن، أدركت أهمية قول الحقيقة الذي كان من الممكن أن يكلفها حريتها أو يؤدي إلى موت أسوأ. بدأت هذه القصة بالكفاح من أجل الحرية وتحولت إلى رصد للعلاقة بين الحرية والكرامة ودفعت القراء أيضًا إلى مواجهة هذه الأسئلة متخيلين ماذا كانوا سيفعلون لو كانوا مكانها.أحد الإنجازات التي حققها الكتاب هو قدرته على التعبير عن التحدي الكبير الذي واجه روكسانا في محاولاتها الإبقاء على صوابها في موقف عسير كهذا. بإدراك معاناة روكسانا يصبح القراء أكثر وعيًا بالضعف المتأصل في البشر ويتضح ذلك أيضًا في تصويرها لنفسها وعلاقتها مع المحققين وحراس السجن.فكرة "حب أعدائك" ليست جديدة لكنها تكتسب بعدًا جديدًا في سجن إفن، حيث سألت روكسانا سجينتين من الطائفة البهائية سامحتا محتجزيهما، كيف استطاعتا مسامحة الذين سلبوا منهما حريتهما. وكانت نصيحتهما بأن الغفران للتحرر من صراعها النفسي، حيث كانت روكسانا تعاني من صراع داخلي بين العداء والأمل تجاه محتجزيها الذين يعدونها بمنحها حريتها يومًا وينكرونها عليها في اليوم التالي. وتأتي قصتها مع المحقق الذي اعترف لها أنه يعلم أن اعترافها كان كذبة لكنه سيستمر في احتجازها كصدمة للقراء. كيف يمكن لمرء أن يعفو في مثل هذه الحالة؟ وهل استطاعت ذلك؟لا يأتي الجواب على هذا السؤال بشكل مباشر. تلاحظ روكسانا في كتابها أن جنون العظمة الذي يعيشه النظام الإيراني كان سببًا مهما وراء اعتقالها. وتبين أن الحراس ينتمون إلى الطبقة المسحوقة من الشعب (الأفراد الذين يتبعون توجه الحكومة المتطرف) وهم سعداء لحصولهم على وظيفة ثابتة.ويزداد تحدي روكسانا عندما ترفض اقتراحات محتجزيها. فعندما كانوا يطلبون من أهلها عدم المشاركة في مقابلات، كانت تشجعهم على فعل العكس. وعندما أخبروها أن الإضراب عن الطعام لن ينفعها، لم تستمع لهم وقامت به. كان تمكينها في ظل تلك الظروف هو الطريقة الرئيسة للتعامل مع عدائها لمحتجزيها والوضع الذي كانت تعيشه.يعتقد الكثيرون أن سجن روكسانا جاء في وقت حساس في التاريخ السياسي لإيران. في الوقت الذي كانت فيه حكومة الرئيس أحمدي نجاد على موعد مع مواجهة انتخابية حاسمة اضافة إلى الضغوط الأمريكية للاستجابة لاحداث تقارب غير أن الوقت كان مناسبًا لاعتقال أحدهم، الأمر الذي سيخدم ماكينة الدعاية الحكومية. سواء كانت تلك الحقيقة وراء حبس روكسانا أم لا، تأتي قصة روكسانا كجزء من التحليل السياسي للحكومة الإيرانية وإرث الثورة الإسلامية وتأثيرها على الحقوق المدنية.يشكل كتاب روكسانا جزءًا مهمًا من التمكين في مرحلة ما بعد الحبس. بتسليط الضوء على نقاط ضعف الحكومة وضعف شعبية أحمدي نجاد وغياب الأدلة في محاكمتها، تشير الكاتبة إلى الحالة التي تعيشها الحكومة الإيرانية. الرسالة الأساسية للكتاب هي أن أهمية روكسانا بقدر أهمية عملها في الصحافة ليست ذات بال كبير والحكومة الضعيفة فقط هي التي تحاول استغلالها لتحقيق خلاصها.باحتوائه على تفاصيل حول المجتمع الإيراني وخصائصه يعد كتاب  بين عالمين أكثر من مجرد قصة حول سجن روكسانا.