علي حسن الفوازيبدو لي ان الثقافة العربية تواصل بامتياز لعبة إنتاج خطاب المراكز، عبر إنتاج انساق السلطة والفحولة والمهيمن و الجنس والعقائد والشخصانية والعمومية، تلك التي تتماهى في كلياتها مع فكرة السلطة/الأب والمقدس،
مثلما تجسد بكليانيتها نموذج البطولة المرجعية التي تجسدها صورة مثقف الديوان القديم بمرجعياته الوثائقية المكرسة ونمط سلطته في التأويل والمراقبة، اذ هي تعيد انتاجه مع كل أزمة تواجهها السلطة، وكل ازمة تواجهها الانتلجنسيا في سياق انهيار مفهومها النخبوي و شعاراتها الفضفاضة، كما تعيده أيضا مع كل المنعطفات المعقدة التي تواجه المثقف المطرود منهجيا ووجوديا من حاضنتها الابوية، وكأن بقاء هذه المراكز هو معادل موضوعي لبقاء السلطة بكل مستوياتها ومرجعيتها، مثلما هو بقاء البنية التعويضية التي تؤلّه شرعنة تلك السلطة، وربما هي التي تجعل المثقف العالق لصق لعبة تبادل المراكز قيد التذكر والحضور والخنوع والتوظيف. هذه المراكز الموجهّة والباثّة ! مازلت ماثلة للعيان في يومياتنا و عبر تمظهرات نصية ووظائفية وسلوكية ونكوصية، وعبر مواقف تفرض شروطها في آليات إنتاج البنية الثقافية/ السياسية للعديد من الجماعات، وعبر استعارة تداول الكثير من التوليدات المفاهيمية التي تكرر إنتاج النموذج المركزي للمثقف صاحب الاوهام الكبرى وصاحب السرديات الكبرى، اذ تتمثل عبر محاولات ايهاماته تلك، صور ومعاني تتجوهر فيها الكثير من(اللاوعي المهمل) للشفرات الثقافوية لهيمنة الأب الرمزي /الشمولي والعراب، البطل الخارق الذي غيبت صورته الرسولية القديمة والخسارات التاريخية والسياسية لنموذج السلطة المركزية، وانهيار النموذج المركب لمثقف ديوانها، وللمثقف المضاد الذي كان يمثل صورته العيار، والباطني(علي الزيبق، علي بن يقطين) فضلا عن تفكك المفهوم الأخلاقي لصورة البطولة المثيولوجية المحكومة بنموذج المثقف والفقيه والعارف والصوفي وسط عالم محكوم بنوع من(الناسوت) الرمزي الطاغي. انهيار وتفكك هذا النموذج ارتبط من جهة اخرى بالانتاج المفرط لثقافات الثلل/الجماعات التي تمردت على نموذج المركز القديم للدولة والثقافة الشمولية، والتي أنتجت لها أشكالا ثقافوية تماهت كثيرا مع ثقافات/هويات تلك الجماعات، ناهيك عن استشراء ثقافات الإشاعة التي برعت في صناعتها السلطة ذاتها، وكذلك ثقافات الاستعراض التي امتثلت لأنماط من ثقافات قديمة لمثقف الجماعة، او فقيه الجماعة، والتي كرستها عوامل ميتا ثقافية، اذ تم ترحيلها من نسق الايدولوجيا ومؤسساتها وظواهرها الحزبوية والسياسية والمرجعية الى الفعاليات الثقافية لتكون نوعا من استعادة الإيهام بمرجعية السلطة المراقبة بمستوياتها الدينية والاجتماعية. ولعل اي مراقب للكارزما التي لم يزل غبارها عائما فوق البعض من سطوح الثقافية العربية سيرى الكثير من تمظهرات ابوة هذه الظاهرة السسيوثقافية عبر حضور علاماتها من خلال وجود مراكز، كثيرا ما تستعديها السلطة السياسية بمواجهة مراكز جديدة اكثر ثورية وأكثر تمردا، ومن خلال أنماط الخطاب الطاعنة في كتابة واستعراض نصوص الوصايا، مثلما نراها في سايكولوجيا الاحتفال التي كثيرا ما تدور حلقاتها حول النموذج/المركز، والطبيعة المثيرة لكارزمتيته في التاريخ والمتحف، وصولا إلى غواية ما يسمى بالجائزة الثقافية العربية التي مازلت في بعض حلقاتها تتماهي مع استعادة هذا النموذج الأبوي، والذي تتكرس صورته على وفق إنتاج نموذجها العربي للذات المركزية، تلك التي تماثل أيضاً تكرار إنتاج المزيد من (الايقونات) الثقافية، اذ هي نوع من تماثل الى حد كبير فكرة الاحتفاظ برمزية الأب العائلي، والأب السياسي والأب الديني، والتي لا يملك العقل العربي اي هامش نقدي وتعويضي لتفكيك عقد مهيمناتها، خاصة في موضوعة تفكيك السلطة والمركز والحزب التقليدي، فضلا عن وجود فوبيا إنتاج المتحف الثقافي الرمزي، واجتراح النسق القادر على استيعاب مفهوم التوليد العائلي الرمزي بعيدا عن سلطة الأب المقدس الحاضر بعصاه الغليظة وصوته الأجش ورقابته الصارمة على أوقاتنا الذهبية وشغبنا وخروجنا عن الطاعة باتجاه جهاتنا الشخصية المريبة. هذه الظواهر تعدّ من اخطر ما تواجهه ثقافتنا العربية إزاء تحديات المعاصرة لأنها مازلت تنتج السياسي الانقلابي، والسياسي السلطوي الذي لا يؤمن بالتنازل عن الكرسي والعصا والصورة، مثلما تنتج الأب الذي يهمن جنسويا على كل نساء العائلة، فضلا عن إنتاجها لصورة المثقف العراب، الوظائفي، بنماذجه القهرية والسلطوية، وحتى بنخبويته وعقدها الاجتماعية والرمزية..وجود هذه الظواهر تعكس أيضاً الفشل في تجاوز نموذج المثقف القومي التقليدي، وفقدان القدرة على استيعاب الكثير من معطيات التغيير وتبدل سياقات الحو
موت المركز.. قراءة في انهيار الدولة والمركز الثقافي التقليدي
نشر في: 27 يونيو, 2010: 04:42 م