ترجمة: نجاح الجبيليجوناثان كلانسيكتب المعماري ماكس كلندننغ:" حين كنت أبحث في كتبي التي تدور حول بيكاسو صادفت تلك التخطيطات التي رسمها في عام 1958 للبنايات. وبينما كنت أمر ببناية جديدة قامت في الباربيكان/ لندن فوجئت بتشابه أشكالها مع تخطيطات بيكاسو.
هل يمكن أن تكون هذه التخطيطات هي مصدر الإلهام؟".حسن، نعم ولا. ما تظهره هذه التخطيطات هو أن بيكاسو كان يتلاعب في شكل البنايات في وقت كانت فيه مقاربته للرسم والنحت أعادت تعريف التصميم المعماري في بعض الأحياء الراقية المؤثرة. إن تأثير لوحة "الجورنيكا" لبيكاسو التي رسمها للجناح الأسباني في معرض باريس الدولي، أدت إلى تصميم بعض أعمق البنايات ليس فقط في منتصف القرن العشرين بل كل الأزمان. اليوم العديد من المعماريين – الضجرين من الخطوط المستقيمة والزوايا القائمة من جهة ،ومن تصميم ما بعد الحداثة المبتذل الذي فعل الكثير جداً لجعل آفاق المدينة ساذجة في الثمانينات من جهة أخرى- قرروا بأنهم يريدون أن يصبحوا بيكاسويين أيضاً. يريدون أن يتشربوا بفكرة البنايات الواقعية مثل قوالب المكاتب والشقق مع شيء من روح الفنان والنحات العظيم.  ويبدو هذا شيئاً جميلاً إذا ما حصل ، مثلاً، أن تكون تصاميم فرانك غيري العنيدة المتألقة مثل متحف "بلباو غوغنهايم " في أسبانيا و "قاعة كونسرت وولت دزني" في لوس أنجلوس، عملية وغنائية. وكما كتبت آدا لويزا هكستابل الناقدة والمؤرخة الأمريكية إلى غيري:" إنه يبني على "الصندوق" المتحرر الذي فتحه "فرانك لويد رايت" للأبد والفضاءات المتحررة التي رفعها لو كوربوزيه إلى الأعالي المشرقة".إن غيري يقدّر لو كوربوزيه تقديراً عالياً. ويقول عن كنيسته الصغيرة في رونشان التي أنشئت عام 1955:" في كل مرة أذهب هناك أنخرط في البكاء". وبدورها تدين الكنيسة إلى التأثير الكبير لبيكاسو. في هذه البناية التي ترتفع على تل في "الرون ألب" بنى لو كوربوزيه نوعاً من الجورنيكا لكن بالكونكريت. وحتى بعض التفاصيل، مثل المظلات المطرية الناتئة من السقف العظيم كان لها مكان في رائعة بيكاسو في الثلاثينات؛ في هذه الحالة في قناع قرني الثور. إذا ما كان لديك علاقة مع هذا الذكاء – لبيكاسو وكوربوزيه- فهناك سؤال سهل حول ما إذا كان شياً جيداً أم لا بالنسبة للمعماري حين يريد أن يكون فناناً،أو بطريقة أخرى، بالنسبة للمعماري حين يريد أن يكون يبني فناً. كنيسة رونشان إحدى أعظم الأعمال الفنية في العالم وحدث أنها بناية ومع ذلك فهي من النوع البعيد جداً عن كونها مجرد سقف على رؤوس محنية.ومع ذلك حتى المعماريين العظماء مثل لو كوربوزيه والنشطاء مثل غيري ربما يجدون أنه من الصعب عمل مثل هذا الفن البارز من قوالب المكاتب.ربما يستثمرون هذه مع الأشكال القوية أو الجديرة بالحب لكن ليس مع الدقة ووطأة العاطفة التي تأتي من موضوعات مثل قصف فيلق النسر لمدينة جورنيكا أو إعادة بناء كنيسة صغيرة مكرسة للعذراء المقدسة التي تم تدميرها خلال الحرب العالمية الثانية.اليوم أصحاب المهنة ، بمساعدة الحواسيب والمواد الحديثة، يستطيعون أن يصمموا ويبنوا أشكالاً بارزة. ومع ذلك فسواء أهي فن ، أو بلوك مكتب جديد بما يعده "كلينددنغ" كونه قناعاً لتخطيط بيكاسو، فإنها إلى حد ما أفضل من التصميم المستقيم الصاعد والنازل لـ" ميز دي رو"،مثلاً، المعرّض إلى الاستجواب. في الواقع أن بيكاسو أثر على المعماريين قبل رسم الجورنيكا بعقود. فمنذ أن رسم "آنسات آفينيون" في عام 1907 واعتبرت بصورة عامة مدخلاً إلى التكعيبية، فإن الفنان الاسباني أثر تأثيراً كبيراً على المعماريين الأوربيين الشباب المصممين على الثورة على المواضيع المملة والجليلة و العنيدة غالباً. أعمال لو كوربوزيه المبكرة – تصاميم نظرية لبيوت كونكريتية كبيرة الحجم بضمنها بيت دومينو للفترة 1914-1915 وبيت ستروهان 1925 إضافة إلى الأولى في فلله البيض المعروفة بالنسبة للفنانين وجامعي التحف- متأثرة بالتكعيبية ومدركة لذاتها. والشي المهم أن غيري أيضاً حين استقر في لوس أنجلوس طور علاقة حميمة مع جمع من الرسامين المعاصرين والفنانين مثل جاسبر جونز وروبرت روشنبرغ وكلاس أولدنبرغ. يقول غيري:" للرسم بداهة التمستها في العمارة".تستطيع أن ترى البداهة في تخطيطات بيكاسو المعمارية. غير أن ترجمة تلك الأفكار إلى العمارة يتطلب مناسبة إضافة إلى موهبة كبيرة في التأويل والحدس. وعلى أية حال فإذا ما كانت الجورنيكا تشي بتصميم كنيسة رونشان فإنها لا علاقة لها بتصميم قوالب المكاتب المعاصرة في مدينة لندن.إن شكل بناية ما يستحق أن يبرز من مزيج وظيفتها وما تمثله، ومن وظيفتها وكيف يستطيع المعماري أن يترجمها إلى شيء ما عميق ومبهج. بالنسبة للمعماريين فإن بناء أشكال غريبة من أجل بناية تختلف حين يتولى ذلك فناناً. لا بيكاسو بالتأكيد.