الكتاب:(قصة البخار و الصناعة و الاختراع – قصة جيمس واط – تكشف كيف أن الإلهام غالباً ما يحتاج إلى القليل من الدفع)المؤلف:وليم روزنترجمة: عبد الخالق علي في قلب متنزه (غلاسكو غرين) القديم في مدينة غلاسكو، هناك مسلة يبلغ ارتفاعها (14. قدما)
مخصصة لـ (هوراشيو نيلسون) بنيت عام 18.6، أي بعد عام من وفاة هذا الرجل العظيم. هذا النصب كان أول تذكار مدني كبير جرى نصبه بعد انتصاره في معركة (الطرف الأغر) و هو يسبق بناء عمود نيلسون في لندن بأكثر من ثلاثين عاماً. في الثمانينيات من القرن الماضي، قرر مستشارو غلاسكو وضع نصب ثانٍ قرب المسلة – عبارة عن صخرة صغيرة مع كلمات تقول:" قرب هذه البقعة من عام 1765 تكونت فكرة المكثف المنفصل للماكنة البخارية في ذهن جيمس واط ".هذا التناقض مثير للاستغراب، فمن جهة، تم الاحتفال بمعركة بعيدة من خلال بناء حجري مهيب، و من جهة أخرى، كان على الاختراع الذي أنجب الثورة الصناعية ان ينتظر لمدة قرنين تقريبا حتى يتم الاعتراف به بشكل قطعة حجرية صغيرة.ربما يكون نيلسون قد أنقذ بريطانيا من غزو فرنسي، الاّ ان واط قد حوّل كوكبا بأكمله عندما قام بنزهة صباح يوم أحد في ذلك المتنزه و هو يفكر بالمكثف الثانوي. خلال عقود قليلة من هذا الفتح العلمي كانت شبكات السكك الحديد و المصانع و المناجم تنتشر في البلاد، مثيرةً موجة عالمية من أجل إحراق الوقود المستحث الذي يدفع العالم الآن باتجاه تغيير مناخي خطير. في الحقيقة ان الكيميائي (بول كروتزن) الحائز على جائزة نوبل يزعم الآن ان غازات البيوت الزجاجية قد سببت تغييرات عميقة لدرجة اننا يجب ان نقتنع بأن العالم قد دخل في عهد جديد يطلق عليه اسم: القطب البشري، أما بالنسبة إلى المكان الذي ولد فيه هذا العهد فإن كروتزن يعتقد بإمكانية تحديده بدقة من خلال نزهة جيمس واط.عليّ ان اعترف بإعجابي بهذه الفكرة التي تحدد ميلاد حدث غيّر وجه العالم بسبب أهميته من جهة و لأن البيت الذي كنت أعيش فيه في طفولتي يطل على المتنزه الذي مشى فيه واط عندما كان يتأمل فكرته العظيمة. إنها تجعلك تدرك بأنك ترعرعت في مكان صنع عهدا جديدا. يسرني ان اقول بأن وليم روزن يشاركني حماستي تجاه إلهام جيمس واط، فكما يذكر في كلامه المثير للاستغراب عن ولادة الطاقة البخارية بأن مسير المخترع في متنزه (غلاسكو غرين) كان من " أفضل اللحظات منذ ان خرج أرخميدس من الحمّام صائحا: وجدتها!". مع ذلك، يجب ان نلاحظ بدقة ما أنجزه واط في تلك النزهة. انه بالتأكيد لم يخترع الماكنة البخارية لأنها كانت موجودة أصلا. كما يجب ان لا نأخذ بجدية تلك القصص التي تتحدث عن إعجاب المخترع في طفولته بقوة البخار على دفع غطاء إبريق الشاي. في الحقيقة ان واط كان اقل اهتماما بقوة البخار على الدفع من قدرته على خلق فراغ قادر على السحب. في عام 1765 كان يعمل على مضخة (نيوكومين) و هي ماكنة يدفع فيها البخار مكبسا من خلال اسطوانة، ثم ينتشر الماء في الاسطوانة جاعلا البخار يتكثف مكونا فراغا وراء المكبس يتم امتصاصه مرة ثانية إلى موقعه الأصلي. جرى ضخ بخار أكثر فاندفع المكبس للأمام مرة أخرى.مع ذلك فإن التسخين ثم التبريد في الاسطوانة الضخمة للماكنة لم يكن كفوءا، اذ ان ثلاثة ارباع البخار يذهب هباءً بهذه الطريقة. قام واط بحساب ذلك، و ظل يحلم بكل أنواع الحلول التي لم يكن أي منها قابلا للتنفيذ، حتى حان الوقت عندما كان في متنزه غلاسكو غرين، اذ ادرك بأن المكثف المنفصل سوف يولّد فراغا، لكنه يسمح لأسطوانة الماكنة ان تشتغل في درجة حرارة ثابتة. و تم تحويل طاقة البخار.هذا الفتح العلمي الجديد استغرق الكثير من الأفكار لتمهيد الطريق له، و شمل ذلك: تغيير قوانين براءة الاختراع البريطانية التي وفرت حماية فاعلة لأولئك الذين توصلوا الى أفكار لكسب المال ; و كذلك الأعمال الرائدة عن المكائن البخارية الاولى من قبل (سافيري) و (نيوكومين) و (بابين) ; و اكتشاف الحرارة الكامنة من قبل (جوزيف بلاك) – زميل واط في جامعة غلاسكو - ; و القدرة على عمل أجهزة صناعية ذات دقة حقيقية. مجالات التقدم هذه التي يحشرها روزن في حساباته بمهارة، تجيب على سؤال رئيسي أثير في مقدمته:" إذا كانت عملية التفكير " بالأجهزة " هي بالأساس ذاتها بالنسبة لأرخميدس و ليوناردو دافنشي و جيمس واط، فلماذا استغرقت نتف من الاختراعات حتى منتصف القرن الثامن عشر لتصبح موجة؟". بعد ثلثمائة صفحة نحصل على الجواب: إن الأرض جرى تخصيبها بالتغييرات السياسية و الفلسفية و الفكرية التي كافأت – و لأول مرة – المخترع و المجتمع أيضاً لقاء إجراء و قبول التغيير. لم يكن واط يعلم بذلك عندما كان يتنزه في غلاسكو غرين – الاّ ان مساره كان مهيّأً بشكل جيد.
أقوى الأفكار فـي العالم
نشر في: 29 يونيو, 2010: 04:31 م