عبدالله السكوتيوهذا المثل يضرب لعدم فائدة الكلام ، ولان من تخاطب لايفهم المقصود ، وكذلك للاطراف تتنازع ولاتدري لماذا ، وهذه الحكاية تحكي ان فتاة من الريف كانت تستحم في النهر وتركت ثيابها على الجرف وكذلك تركت بقرب الثياب ثورها الذي جلبته للرعي ، وصادف ان مرّ رجل من ذلك المكان تعرفه ، بعدها خرجت ولم تجد ثيابها ،
عندها هرعت تولول وتبكي وتصرخ وتتهم الرجل بالسرقة ، وكاد الامر ان يصل الى الاقتتال وعمت الفوضى القرية التي تسلحت بكاملها ، بعد ذلك تدخل الخيرون لحلحلة الامور بين القبيلتين ، وجلست القبيلتان في دار الفتاة لتقضي بالحق ، اولم اهل الدار الولائم وذبحوا الثور ، فوجدوا ثياب المرأة ببطنه ، فنهض الجميع بعد ان اشار كبيرهم : (عمي عليمن كاعدين ، الحجي ماكله الثور ) .ومازال الثور يأكل الكلمات ، ويتهم الاخرين بانتهاك الشرف ، حوارات وتفاهمات وجلسات تعدت الحدود المعقولة ، (والحجي ماكله الثور ) وسينفض المجلس عن لاشيء ، الكثير من المشاكل التي تحدث وتتفاقم ، غالبا مايكون المسبب لها جالسا في زاوية وينتظر تهاوي الاطراف المتنازعة ليحصد غنيمته التي طالما حلم بها وبودي ان يفهم القارىء من هو الثور لانني لااستطيع التصريح بالاسماء .وهؤلاء المتربصون بالاحداث ينظرون لها من بعيد ، وينتظرون ما تتمخض عنه ، ويأكلون اللقمة الحارة بعد ان تنضج الطبخة ، هنالك الكثير من الشخصيات تحسب ان الظل طغى عليها وانها لن تحصد اية نتيجة ، ولكن النتائج تكون خلاف ذلك ، اذ تراهم ينزلون الى الميدان ليرفعوا راية الفوز وحصد المكاسب ، مايعني اننا ننفخ في قربة مثقوبة وهناك اطراف خارجية وداخلية قد هيأت كل شيء وستطرح الورقة الرابحة في نهاية المضمار ، وهذا الامر واحدة من المفاجآت التي طالما تكلمنا عنها وربما تطرح مع هذا عاملها الحاسم في تشكيل الحكومة ، لقد اصرت بعض اطراف العملية السياسية على رأيها ، ووجدت ان المبادىء تأمرها بذلك ، في حين يفكر البعض الاخر بالتهام العملية برمتها متمنيا ان يبقى هذا البعض على اصراره لتتفكك عرى اتصالاته بالاطراف الباقية ويكون الفوز للذي تابع التحركات وهو مرتاح ، ليرى مواطن الوهن ويقرر متى يضرب المنطقة الرخوة ، هذه الاشكالية لم تكن ملكا للسياسة ولاتحدث في العراق فقط وهي معروفة منذ قديم الزمان ، وكلمة قيصر الشهيرة التي قالها لصديقه المخلص(حتى انت يابروتس ) والتي صارت مثلا تحكي ان الريح حين تأتي في منطق السياسة يجب ان تدير ظهرك لها وتتابع حركتها ، وان تنضم باتجاه الطرف القوي ، وهذا عكس المبادىء ؛ مشكلة التاريخ التي بقيت عالقة في الاذهان حتى اللحظة ، هي ايضا كانت ستحل بلحظة ، حين اشار عبد الله بن عباس على الامام علي ان ثبت معاوية على الشام وبعد ان يبايع اخلعه ، فرد صاحب المبادىء الكبيرة : لاوالله ماكنت اعطي بيدي هذه لانكث بالاخرى ، واستمرت المعارك والخدع وغلبت السياسة والخدعة المبادىء وتغير مجرى التاريخ بتغيير نمط الخلافة الاسلامية ودخلت الامة في نزاعات نحيا ارثها وتداعياتها الى الوقت الحاضر. دائما هنالك من يتمتع باغتنام الفرص ، وتسييس الاحداث لصالحه وتراه بعيدا عن الساحة مثل صاحبنا الثور اذ لم يشك احد بانه اكل الثياب الابعد ذبحه ، هذا المتربص يحسب الى اين ستصل الامور وهو جاهز ان يبادر الى طرح نفسه كحل اخير للازمة ، وهكذا يكون الاخرون قد قدموا اليه خدمة كبيرة حين اوصلوا الثمرة ناضجة عنده بعد عراك وسجالات واتهامات تمتلىء بها صفحات الجرائد ، بمعنى آخر هناك من يسرق جهود الاخرين ليس في السياسة فحسب ولكن حتى في العمل ، يصادر الاخر ليضع نفسه البديل الاول والاخير وهكذا هي الدنيا دائما فيها (الحجي ماكله الثور ) .
هواء فـي شبك: (الحجي ماكله الثور )
نشر في: 29 يونيو, 2010: 09:37 م