علي النعيميكثيرة هي استوديوهات التحليل في محطاتنا العربية والمحلية ولكن قليلة هي التي يقال عنها بالتحليلية الحرفيّة إذا ما استثنينا المحطة الناقلة حصرياً وما توفر لها من إمكانات هائلة ، من حسنات الغربة أنها أتاحت لنا المجال لرؤية البرامج العالمية المنوعة الخاصة بالمونديال وقبل كل شيء دعونا هنا نتفق معاً من حيث المبدأ على تعريف بسيط يختزل كلمة التحليل
والذي هو عبارة عن مجموعة آراء فنية تخصصية يتم استنتاجها وتقييمها من خلال حالة لعب معينة بناءً على الأسس الأكاديمية للعبة أما عن طريق الملاحظة الفنية مع المشاهدة العينية والتأمل الخططي الذاتي لحالة حدثت ويحتاج إلى توضيحها نظرياً مع تحليل الأهداف المتحققة وغير المتحققة التي أغفلت عن رؤيتها العين المجردة أثناء المباراة بواسطة التحليل الصوري وإعطائها حلولا افتراضية تحت باب (كان من الممكن تطبيق ذلك) وفق الشروط الصحيحة ، وأثناء دراستنا الأكاديمية كانت جميع مواد علوم التدريب التطبيقية والنظرية تخضع إلى اختبارات النجاح والرسوب إلا مادة التحليل والمشاهدة الحية اوالمتلفزة فهي تدخل ضمن الآراء وتبادل القناعات وتعكس مدى ثقافة المدرب وما تعلمه أكاديمياً خلال تجربته العملية وليس بالضرورة أن تتفق جميع الآراء في ما بينها.ولكن ما نشاهده اليوم في محطاتنا لا يرتقي إلى مسمى (استوديوهات التحليل) كالتي نشاهدها في المحطات المشفرة (بي بي سي ، فيا سات ، كانال بلس او محطة البلد الذي أقيم فيه ) ، بحيث يكون جل كلامهم في هكذا مطابخ تحليلية عالمية مرتبطاً بأصول كرة القدم وأساليبها الحديثة وتطبيقاتها معتمدين على مقاييس إحصائية في تحليل اللياقة البدنية مرورا بالجوانب الخططية (تكتيكات الفرق) والواجبات الفردية وتحليل الخطوط الثلاثة للمنتخبات مهارياً وعرض ابرز خصائص تشكيلات اللعب وستراتيجياتها ولا أن يقتلوا أوقات حلقاتهم بمصطلحات (الماتدورالهائج ، السيليساو الناضج ) و ( حصان تشوليما الجامح وتكتيك الآزوري الساذج) ولا حتى (بخلاء الديوك الفرنسية) و (الفيروس الباراغواني عطل الحاسوب الياباني) وغيرها من التوصيفات التي نستخدمها في عناوين مقالاتنا الصحفية ولم تتحول استوديوهاتهم إلى محاضرات تنظيرية كأن احدهم يحفظ كل ما يعرف عن الكرة ليكرره علينا ( أو يسوّق آراءه للمشاهد عن منتخبات عالمية لا يعلم هو أين يلعب محترفوها وفي أي أندية بأنها حقائق كونية دامغة) ، بل إن الذي يسحرنا في استوديوهات الغرب بان كل هذه المفردات يتم توظيفها وتوضيحها صوريا مع التكرار باستخدام أجهزة التحليل الصوري وتحويل اللقطات إلى صيغة البعد الثلاثي عمودياً لنتخيل معهم الحالة ، لنحللها من زاوية معكوسة ليبينوا لنا ما جرى تكتيكيا قبل الهدف وكيفية تمت صناعته ومن الذي ساهم به واين كان التمركز ، أي يُظهروا لنا ما لم تره أبصارنا إثناء المباراة.هكذا هي تحليلاتهم الراقية ، وبها يتطور ذكاء المشاهد وحدسه الكروي بيد أن برامجنا لا تزال كلاسيكية وهي تشرح الأهداف بعد تسجيلها فلم نعد نميزها عن الذي نقرأه في صحفنا في اليوم التالي أو أن يجلسوا أربعة أشخاص يسهبون في كلامهم ، ويحللون المباراة وأهدافها وليس هناك أي صورة عن المباراة كأنه ( تلقين ) عفواً ( تحليل) أي بعدما شاهدتها الملايين وملت منها ! متذرعين بلعنتي (التشفير والحقوق) .والانكى أن يأتي احدهم وكأنه لم يشاهدها أساسا فلا يعرف ما طريقة اللعب وما التشكيلة ، لا يحفظ أي اسم منهم كأن يقول اللاعب رقم 4 من الفريق السلوفاكي والمهاجم رقم (7) من ساحل العاج!وأن يركزوا على منتخب معروف بنجومه وطريقة لعبه ويتجاهلوا انه يوجد كذا مشاهد بسيط يجلس في بيته ينتظر مساعدة احد يعينه على شرح ستراتيجية لعب فريقه المفضل وكيف يصنع هجماته هل بشكل جماعي أم فردي من هم أعمدته ؟ لا أن يشرحوا له خصائص لعب ميسي وسرعته او أن يستشهدوا بأهداف رونالدو وانطلاقات كاكا او مشاغبة روني في (المان) ويتركوا الفريق المقابل (المسكين) الذي لا يعجبهم ليعرفوه بجمل مقتضبة ، فريق طموح ، ومجتهد، فرق آسيا تمتاز بالسرعة وأفريقيا بالقوة واللاتينية بالمهارات مع تناسخ ذات الرؤى السبعينية البالية وبحذافيرها ونحن في منتصف 2010 وهي بأن الانكليز(سنترشوت) وهولندا الكرة الشاملة وايطاليا الدفاع الحديدي وغيرها من الأحكام التي حطمها مونديال اليوم وتغيّر بعضها منذ عقود بحكم إيقاع الكرة وأساليبها المتطورة والتزاوج الاحترافي بين لاعبي الدول الذي طمَس من هويات المدارس الكروية إن كانت هناك حقاً مدراس كروية نؤمن بها غير مدرسة الخصائص والميزات الخارقة والتكنيك الهائل للاعبين من كل القارات تحديداً !
رؤى بلا حدود: تحليل أم تلقين ؟
نشر في: 30 يونيو, 2010: 06:51 م