محمد حسن الأصفر رواية اللاز للطاهر وطار ككل رواياته السابقة تتناول في متنها الشأن الجزائري خاصة فترة الاستعمار الفرنسي والكفاح ضده، عبر حرب التحرير التي شهدت مؤازرة عربية، عن طريق مدّ هذه الثورة بالسلاح والوقوف معها سياسياً في المنابر الدولية. أيضاً تناول الطاهر وطار في رواياته الفترة التي أعقبت التحرير وتناول بالتحليل والدرس الشخصيات والفئات التي استغلت هذه الثورة لتجني ثمار الانتصار من دون أن تصنعه،
وعبر هذه الفئات الطفيلية استطاع الطاهر وطار أن يضع إصبعه على جراح وهموم الشعب الجزائري من دون أن يقترح حلولاً، ولعل تشخيص الحالة ووضع الأصبع على موضع الداء هو نصف العلاج لأي مرض.في رواية الشمعة والدهليز، والتي على ما أعتقد أنه كتبها في نفس واحد أي في فترة قصيرة متصلة مع بعضها من دون توقف، حاول أن يدخل دهليز الظلام بشمعة وقودها روحه، وفي هذا الدهليز المظلم أضاء الكثير من المنعطفات والثنايا كاشفاً ما فيها ومنظفها من قذارة الظلم والقهر والنفاق. لقد حارب الطاهر وطار في روايته الشمعة والدهليز النفاق والتملق عبر شخصية بطل الرواية المناضلة والمثقفة واليسارية، وفضح الكثير من لاعني الملة وآكلي الغلة، الذين ينتقدون الدولة والنظام في المقاهي والجلسات، وفي الوقت نفسه هم أكبر المستفيدين من هذا النظام، وما أن يدعوهم إليه أو يهمس لهم حتى يهشون ويبشون ويركضون نحوه، متنكرين لكل المبادئ التي يطلقها لسانهم والتي ينظرون لها في الاتساع.عندما قرأت رواية الشمعة والدهليز لم أشعر أن الطاهر وطار يتحدث عن الجزائر إنما يتحدث عن بلادنا، فكل ما تناوله عبر الرواية موجود لدينا، وأعتقد أيضاً أنه موجود في كل الدول، مما يعني أن قضية التملق والمتاجرة والنفاق قضية إنسانية عالمية، لا يستحوذ عليها مكان واحد مهما تعاظمت فيه، وهذا الأمر يعتبر أمراً جيداً، فالرواية هي فن عالمي ولو أنه يكتسي دائماً بالمحلية، فالمحلية دائماً تتركز في المكان والزمان، لكن الأحداث والصراع دائماً تكون عالمية، لأن مادتها الإنسان وأحاسيسه ومشاعره ومعاناته. كل الكتاب المنطلقين من وجهة نظر سياسية والذين لديهم انتماء عقائدي أو سياسي سنجد لديهم المادة الروائية غزيرة جداً، لأن السياسة تنتقل معهم دائماً إلى الفن، والسطور تتحول إلى شخصيات، والأوراق تتحول إلى منابر تقول فيها كل شخصية رأيها، ومن هنا يتحول العمل الفني إلى "خطابة" أو مقالة من الممكن أن ننشرها في جريدة، وألا نَصْنَعَ منها رواية، لكن عند الطاهر وطار يختلف الأمر، فمادته سياسية إلا أن حبره إبداعي، فروايته عبارة عن لوحة فنية أو جدارية ترى فيها الأحداث قبل أن تقرأها، لتحسها وتشعر بها أكثر، فكتابته نابعة من إيمان عميق بقضية الإنسان، وكتابته محاولة لاكتشاف ما يمتلك هذا الإنسان من طاقات جبارة تمكنه من مقاومة الألم والفناء، والانبعاث من جديد. في الشمعة والدهليز نلمس الغوص في النفس الإنسانية، ونرى التوغل في أعماق هذه النفس بمصباح يذوب كلما عاش أكثر في هذا الزمن.وفي رواية اللاز، التي تتحدث معظم أحداثها عن فترة المقاومة الجزائرية للإستعمار الفرنسي، يطرح الكاتب مشكل الاستعمار، وما يفرضه من نظم على البلاد التي يحتلها، فيقسّم السكان إلى نعم أو لا، معنا أو ضدنا. والشيء نفسه تفعله المقاومة أو الثورة، ومن هنا يجد الإنسان نفسه بين نارين: نار الثورة ونار الاستعمار، وكلاهما يمارس العنف والتصفية على معارضيه. لقد صور لنا الطاهر وطار في روايته اللاز الدم ومعنى كلمة اللاز هي البطل، ولكن هذا البطل سرعان ما يتحجم، ويكاد يختفي منذ منتصف الرواية، ليتحول اللاز إلى الجماعة التي تعني الثورة، لكن في الثورة تحدث صراعات، فالثورة ليس لها إلا وجه واحد، وعندما تجد أن المقاومين متعددي المشارب السياسية، تحاول هذه الثورة أن تصفي اليسار، فتحاكم كل المنضويين إليها من تيارات سياسية أخرى، وهنا يضع الطاهر وطار قضية المتطوعين في المقاومة، والذين يتعرضون للتبرأ من أفكارهم السياسية السابقة، والانصياع لعقيدة القوة المسيطرة على الثورة الجزائرية آنذاك، عبر سطوة القيادة في المنفى، فعلى الرغم من أن قضية النضال ضد الفاشية والظلم عالمية، حيث يشترك في المقاومة الجزائرية إلى جانب المجاهدين الجزائريين عدة أفراد ينتمون إلى أحزاب شيوعية، اسبانية وفرنسية وجزائرية بل هم أوروبيون وليسوا جزائريين، إلا أن هذا النضال لا يقبل منهم في النهاية ويتعرضون إلى محكمة صورية، تخيّرهم بين التخلي عن المبدأ أو الذبح، فيختارون الذبح ربما ندماً وتكفيراً عن الالتحاق بهذه الثورة التي باعتهم.في رواية اللاز حفر الطاهر وطار جيداً في قضية الثورة، وفي قضية الدفاع عن الوطن وتحريره، ساعده في ذلك أنه عاش هذا النضال عن قرب، فأحياناً تشعر أن ما يكتب هو سيرة ذاتية، فلا تشعر بأي تكلف في الكتابة، فالكلمة جزائرية واللسان جزائري، والغضب جزائري، والذبح والدماء جزائرية.وعلى الرغم من قدرات الطاهر وطار الإبداعية الكبيرة، إلا أنه لم يبتعد عن واقعه ولم يخرج من ملعبه، ليلعب بعيداً عن أرضه، أي أنه لم يتأثر بما يكتبه الأدب الفرنسي الذي يجيد لغته، والذي وقع في فخه الكثير من الروائيين الجزائريين. فجاءت رواياتهم ذات نكهة فرنسية، لا تحمل من الخصوصية الجزائرية إلا كون جنسية الكاتب جزائرية.فرواية وطار واضحة جداً. دائماً تحكي عن نضال الشع
لاز الوطن النبيل .. قراءة في رواية «اللاز» للطاهر وطار
نشر في: 2 يوليو, 2010: 04:25 م