شاكر لعيبيفي مواجهة الموت اليومي في العراق الحالي والقتل المجاني، علينا التذكير والإلحاح على روح الحياة وتألقها، خاصة في بعدها الأكثر صراحة: الإيروس. في الميثيولوجيا اليونانية الإيروس هو إله الحب، وهو أحد الأرباب الثلاثة الأولية الأصليّة في العالم الأغريقي.
ويعتبر أصل الخلق أحياناً. الرغبة لدى الأغريق ليست محض اشتهاء افتراسي. الأيروس مرتبط بالحب والحنان والغيرة. ثنائية اللوغوس- إيروس اليونانية أبعد ما تكون في شكليها الأفلاطوني والأرسطوطاليسي عن علاقة تناحر. إنها علاقة تناقض، جدل. الأيروس يتضمن الحنان، واللوغوس يتضمن الأيروس كما يتضمن هذا الأخير ذاك. الأيروس هو رغبة عارفة، أفروديت عارفة. قبل اليونان تصوّرَ الرافدينيون علاقة إيروتيكية من طبيعة أخرى.اشتهرت عشتار رمزاً عشقياً أيروسياً صارخاً، لكن أصول الوعي الإيروتيكي لعشتار تمتد في الأسطورة السومرية إلى أمها نينكال "السيدة العظيمة"، زوجة الرب القمر نانـّا. وهي ابنة انكي سيد المياه العذبة والحرفيين وسيدة القصب النقي (وهنا إشارة إلى الأصل الموغل في القِدَم لنينكال بسبب توفر القصب في جنوب الرافدين). نانا الرب القمري وزوجته المحبوبة نينكال عُبدا في أور خاصة أثناء حكم الأسرة الثالثة. ملوك أور الثالثة بنوا لها معبد "أكارزيدا" وكرسوا لها تماثيل ومسلات عدة. ويبدو حسب باحثة بريطانية إن الميزة التي تسم نينكال تتضمن مرحلتين أساسيتين في حياة كل امرأة: إنها أولا الابنة المحبوبة والصبية التي ستصبح العروس السعيدة لنانّا القمريّ، الخجولة قليلاً التي تكتشف بنفسها الحب والحياة الجنسية الحميمة المُلْتمَسَة من طرف الرب الأكثر دماثة وطيشاً من جميع الأرباب، الرب نانا- القمر، الذي هو الابن البكر لأنليل ونينليل. وعلى ما يبدو فقد كانت أغنيات نينكال ونانا من أكثر أغاني الغزل المفضلة في بلاد الرافدين، بعد غزليات إينانا ودموزي. تظل ننكال وابنتها إينانا، حسب الباحثة، نسقا أولياً وشمولياً لأسطورة وديانة (العروس السعيدة):تتلخص الأسطورة أن نينكال الصبية عشقت الرب الشاب نانا، وعندما يلتقيها الرب يبادلها المشاعر ويدعوها فوراً للقاء حميميّ بين قصب جنوب العراق لممارسة الحب. نينكال ذات الفضول تذهب للموعد بعيدا عن عيون الأرباب العليمين الأكبر سناً. يلتقيان إذن ويمارسان الجنس. عشية مساء آخر يودِّعها الرب الشاب على أمل العودة في غضون ليلتين قادمتين. الأرباب المسنون كانوا يعرفون بأمر لقاءات المحبين السرية، ليتفقوا على إخفاء ضوء قمر نانا لمدة ثلاث ليال. وعندما نفذ صبر نانا، هبط إلى الأرض بهيئة متنكرة، وبوجه مخفيّ دق باب نينكال ليقنعها للقاء به من جديد في وقت متأخر في أهوار العراق الحالية. على أن الصبية أشارت إليه بالانتظار، مردّدةً أنها ستأتي فقط حين يحقق مجموعة من الشروط: أن يجعل الأرض والمستنقعات والحيوانات الأليفة والوحشية مضرجة بالخصوبة، حينها فحسب ستقبل العيش معه في أور. وهذا بالضبط ما فعله نانيا مُعْترِفاً بها زوجة عزيزة .من الواضح أن الأسطورة دالة بشكل لافت للنظر وتعكس مفهومات ما زال جزء منها باقيا في العالم العربي والعراق. ثمة علاقة جنسية تلقائية تحدث سرّاً، ستكون أصل المشروع المؤسساتي: الزواج. بعض الفجور كان مسموحاً به لشبان بلاد الرافدين لكن إلى أجَلٍ. إذا لم يُقِمْ الربّ الذكر نانا علاقة رسمية في البدء مع محبوبته فإنه ظل مخلصا لها، بل أن نينكال التي رضيت اللقاء به خِفية المرة الأولى، وضعت في المرة الثانية شروطا لقبوله في صحبتها. هذا ما يقع حتى اليوم. لكنها بوصفها أمّاً لإينانا، فإن نصوص نينكال في الكثير من شعر الحب السومري، وهو ما يسميه غويندولاين لايك في كتابه "الجنس والإيروتيكية في بلاد الرافدين" بالأغاني العرسيّة تتميز بوصفها "مجموعة من النصوص التي تتميز بها إينانا كفتاة تنتظر الزواج". ما عدا ذلك ثمة مجموعة كبيرة من النصوص التي تكشف عن الوجوه والصفات المتعددة لإينانا.تتعلق الأغاني العرسية السومرية جوهرياً بالإعداد الاحتفالي للعرس ومباركة الزفاف في تلك اللحظة التي يلتقي فيها العريسان عند عتبة بيت الزوجية. وهي تشير مرارا إلى "الرغبة الشديدة الأولى" وتوَقــُّع السعادة للزوجين الذي التقيا علناً أو خفية للتعرّف على بعضهما.تظهر إينانا السومرية في مصدرين: ملحمة جلجامش عندما تساعد البطل وتحاول إغواءه، ثم في مجموعة من القصائد عن علاقتها بالحياة والموت مع حبيبها الرب دموزي (في الأكدية تموز). وهي تظهر بشكل متواصل في الكثير من الأساطير السومرية كما نعلم.إن المنبع الرمزي الخارج من أسطورة موت إينانا لا تخطئه عين: إنها رمز الخصوبة، المرأة- الخصوبة. تموت الأرض بموتها تماما. لكنها تعاود الولادة عندما يتدخل أنكي مقترحة أن يحل شخص آخر مكانها. إنها تختار حبيبها دموزي الذي كان يحكم الجحيم كل نصف عام. خلال فترة النمو حيث يسقط المطر بعد صيف طويل، يحتفل الناس سنويا أثناء الاعتدال الخريفي "بالزواج المقدس" بين إينانا ودموزي بوصفه احتفالية لبداية سنة جديدة ستجلب، من جديد، الخصب والنمو، بسبب عودة دموزي من ا
تلويحة المدى ..الإيروس الرافديني فـي مواجهة الموت
نشر في: 2 يوليو, 2010: 04:42 م