بقلم شيرين عبادي وجودي وليامز، جائزتي نوبل للسلامنيويورك / تعقد بورما الانتخابات في وقت ما من السنة الجارية، تدّعي الحكومة العسكرية أنها ستكون خطوة نحو الديمقراطية الحقيقية. لكن كل المؤشرات تنذر بالعكس تماما. فقد قرر أكبر أحزاب المعارضة -الرابطة الوطنية للديمقراطية- بقيادة الناشطة البورمية الحائزة علي جائزة نوبل للسلام، سان سوو كيي، حل صفوفه بدلا من المشاركة في عملية انتخابية معيبة وخادعة.
وفي غضون ذلك، بلغت سوو كيي في 19حزيران يونيو الفائت 65 سنة من العمر قضت منها 14 عاما تحت الإقامة الجبرية ونحو 20 عاما على اختيار شعب بورما لها ديمقراطيا كزعيمة له. هذا وتعتبر قصة سان سوو كيي قصة غير عادية ولكن أيضا رمزا لمعاناة مئات الآلاف من النساء في بورما. فمثلها تقع نساء هذا البلد في شرك البؤس في ظل نظام عسكري وحشي، وتحت وقع أطول حرب أهلية في العالم، وهي التي تكاد تكون شبه منسية عادة. لقد التقينا مؤخرا مع عدد من تلك النساء لدى مشاركتنا كقضاة في المحكمة الدولية لجرائم الحرب ضد المرأة في بورما. واستمعنا إلى شهادات مروعة من إثنتي عشرة امرأة شجاعة عن تجاربهن كضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان على يد النظام العسكري في بلادهن. فتحدثت تشانغ تشانغ عن تعرضها للهجوم والاغتصاب الجماعي في قريتها من قبل مجموعة من جنود الجيش البورمي. وكما لو كان التعذيب غير كافيا، وصمها مجتمعها بالعار وطردها عندما انتشر خبر هذا الاعتداء. وسردت ناو روث ثا كيف أجبرها الجنود لأيام طويلة على حمل الأحمال الثقيلة على ظهرها وتعرضها للاغتصاب على مدى ليالي طويلة من قبل هؤلاء الجنود. وكانت حاملا في شهرها الخامس في ذلك الوقت. وجهشت ما بو سين بالبكاء لدى تذكرها كيف أحرق الجنود قريتها بأكملها. وإستهلت امرأة شابة شهادتها قائلة "سأسرد عليكم قصة أصبحت شائعة إلى درجة أن شيوعها جعل منها أمرا طبيعيا بمرور الوقت". ففي الواقع، تمثل كل من تلك النساء الآلاف من النساء والأطفال والرجال الذين ناضلوا طلية عقود طويلة تحت قمع المجلس العسكري. هذا ولقد شملت شهادات تلك النساء قصصا للسجون والتعذيب الذي وقع ضحيته المعارضون السياسيون ، وتجنيد المدنيين لاستخدامهم كعبيد للجنس وكاسحات إنسانية للألغام الأرضية. يستحيل القبول بمثل هذه الأعمال الوحشية كما لو كانت أمرا طبيعيا معتادا. فباستثناء بعض الحالات النادرة من الاهتمام الدولي، يواصل العالم متابعتها في صمت فيما لا يزال النظام الحاكم يمارسها دون عقاب. فتؤكد الشهادات التي استمعنا إليها في المحكمة أن تصرفات النظام ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بل وجرائم تخضع للولاية القضائية العالمية. هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، بما فيها تلك التي تستهدف النساء، لا يمكن السماح باستمرارها ويجب على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن من أجل العدالة في بورما. وضمن سبل مواجهة هذا الوضع، يمكن لمجلس الأمن الدولي النظر في إنشاء لجنة للتحقيق في الجرائم المحتملة ضد الإنسانية وجرائم الحرب في بورما. ويمكن أن تكون مثل هذه اللجنة الخطوة الأولى في رحلة طويلة لمحاكمة النظام العسكري في بورما لدى المحكمة الجنائية الدولية. وبالفعل، دعا مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في بورما، توماس كينتانا، لإنشاء مثل هذه اللجنة، ما حظي بدعم علني من جانب المملكة المتحدة واستراليا والسويد وجمهورية التشيك. كما قمنا جنبا إلى جنب مع القضاة الزملاء في المحكمة بدعوة مجلس الأمن لإطلاق مسار إحالة بورما إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال إنشاء لجنة تحقيق. كذلك فتعتبر الانتخابات المقبلة في بورما ساحة أخرى للعمل الدولي، فتستند هذه الانتخابات إلى دستور تم وضعه والتصديق عليه دون التشاور مع المجتمع المدني، بما في ذلك النساء. هذا الدستور يعيق فعالية مشاركة المرأة في مناصب سياسية، ويؤثر على جيل من النساء اللاتي تحذون حذو أونغ سان سوو كيي. كما جاء حل الحزب الشرعي والمعارضة الرسمية دليلا آخر على خطورة المشكلة. في ظل هذه الظروف وفي وجه عقود من الجرائم والانتهاكات ضد أهالي بورما من قبل النظام العسكري، ينبغي على المجتمع الدولي أن يتحد في رفضه لقبول الانتخابات المقبلة ورفض شرعية الحكومة التي تنبثق عنها. لقد حان الوقت للمجتمع الدولي لإظهار على الأقل نفس قدر شجاعة نساء بورما. فقد كرست زعيمتهن أونغ سان سوو كيي حياتها من أجل الديمقراطية في بلدها. لقد رفضت النساء اللاتي أدلين بشهاداتهن في هذه المحكمة في نيويورك الصمت حيال اللا عمل، بل وعلى العكس أخذن يتحدثن ويرفعن أصواتهن على أمل أن يؤدي ذلك إلى تغيير حقيقي لبلدهن، وهو ما نعتقد أنه سوف يحدث بالفعل. وتكريما لأونغ سان سوو كيي ولنساء بورما، يجب على المجتمع الدولي أن يقف مع شعب بورما في كفاحه من أجل العدالة والديمقراطية. لقد حان الوقت ليس فقط لإنشاء لجنة تحقيق ولكن أيضا للمجتمع الدولي لإدانة الانتخابات المقبلة باعتبارها مجرد خدعة. وكالة انتر بريس سيرفس
من تجارب الشعوب: بورما.. عندما تقوّي الانتخابات بطش الدكتاتورية
نشر في: 2 يوليو, 2010: 08:20 م