لطفية الدليميكل صباح كنت أتأمل صورتها وأنا أسير من فندق ( عدن) المتواضع في شارع ( بلوميه ) قرب مبنى بلدية باريس ال (15) لأشتري رغيف الخبز الفرنسي ( الباغيت) من مخبز قريب،واعود مسرعة لأراها تحدق بعينيها القاتمتين إلى الأفق الغامض في صباح المدينة القاسي ، تأسرني صورة (ماريا كالاس) بالأسود والأبيض :ثوبها الاحتفالي الطويل من الساتان الأبيض،
عقدها اللؤلؤي ،تسريحة شعرها المرفوعة كتاج قاتم على طراز ستينيات القرن العشرين ، وفمها المطبق على فجيعة اغريقية ، تطل من واجهة المحل العتيق الذي يبيع اسطوانات السيمفونيات والأوبرات وأغاني مشاهير القرن العشرين : ازنافور وجاك بريل وداليدا واديث بياف وموستاكي . صار حزنها التراجيدي وصفة صباحية للهرب من حزني الشخصي وأصبحت هي رفيقة الصباح والرغيف والمطر وكأنها المخدر يخفف وحشة المقام في غربة ا لوقت.. تتصل بي الكاتبة الفرنسية الصديقة كاترين ستول سايمون وتدعوني لحفل يقام تكريما لذكرى ماريا كالاس واذهب لألتقيها في مقهى الأوديون ونقصد الحفل ، السماء تهذي مطرا و شارع القديس جوليان الفقير في الجانب الأيسر لنهر السين في قلب باريس القديمة يموج بهمهمات العابرين الى ليل الموسيقى – مدخل الكنيسة الحجري يشي بتقشف المكان الذي تحول مرارا من كنيسة لطائفة ( الملكيت ) المبنية في القرن السادس - الى كنيسة تقدم الطقوس البيزنطية او الطقوس اليونانية ،الأيقونات البيزنطية وقناديل النحاس العتيقة تحيل الى كنائس اليونان في أثينا وسالونيك, رواد الأمسية رجال ونساء مسكونون بنوستالجيا تنهمر من حدقاتهم وعطورهم ، يستعينون بصوت ( كاستيلانزا )الذهبي لاستعادة ذكريات الزمن الجميل ,زمن ماريا كالاس - مغنية الأوبرا الأشهر و أيقونة القرن العشرين بصوتها الفذ وحياتها شبيهة المآسي الأغريقية وقصة حبها اليائسة المريرة مع الملياردير الاغريقي أوناسيس.... كاستيلانزا البدينة ككل مغنيات –ترفل برداء هفهاف من الموسلين الفيروزي وتتزين بمجوهرات كلاسيكية وكأنها منبثقة توا من حلم امبراطوري وصوتها السوبرانو الدراماتيكي بمدياته الواسعة يموج في اروقة الكنيسة الأثرية هو الذي أهلّها لغناء معظم أوبرات فيردي وأوبرات روسيني ، صوت مدهش يسحر بقوته ومدياته الواسعة ويحيلنا كل آونة إلى صوت ماريا كالاس المحتفى بها في المعبد البيزنطي .. يرافق كاستيلانزا زوجها عازف البيانو هربرت دو بليسيس و هو من أبرع عازفي البيانو المعاصرين في أوروبا , وتذاع مقطوعاته في معظم الإذاعات الأوروبية وتحتفي به دور الأوبرا الشهيرة في العواصم الكبرى..وهو من عازفي البيانو المعدودين الذين تخصصوا وبرعوا في تقديم اعمال شوبان واوبرات فيردي وروسيني ويشكل هو وزوجته المغنية كاستيلانزا اشهر ثنائي للاوبرا والبيانو في اوروبا كلها.في أروقة الكنيسة التي لازالت حتى اليوم تقدم الطقوس البيزنطية المتحدرة من القدس الى القسطنطينية وأنطاكية جرى تكريم (ماريا كالاس ) باستعادة مقاطع من اوبرات أدتها في جو امتزجت فيه ظلال الأكروبول بفلسفة القديس الشافي (جوليان الفقير) كاعتراف دنيوي و طقوسي بسيدة الاوبرا الاغريقية التي ولدت فقيرة وكابدت حتى بلغت قمة العالم وأغرم بها عشاق كُثر، لكنها أغرمت بحب رجل مستحيل ورحلت وهي من أشهر نساء القرن الماضي واكثرهن تعاسة في الحب ..تحت غيوم من بخور مشرقي وأنوارقناديل راعشة تموج مع الموسيقى , غنت كاستيلانزا بصوتها السوبرانو الصادح المنسوج من حرير وضوء وغمرت المساء بسطوع نبرتها الفذة ال
قناديل: كاستيلانزا تغني تكريماً لماريا كالاس
نشر في: 3 يوليو, 2010: 05:01 م