حازم مبيضين جاء الإعلان عن الاجتماع بين وزير الخارجية التركي ووزير التجارة الإسرائيلي، الذي أرادته تركيا سرياً، ليوقف بشكل مفاجئ عرس التهليل الذي انطلق في عالمنا العربي بعد المشادة المسرحية بين رجب طيب أردوغان وشمعون بيريس، وبعد أن هدد أردوغان بالويل والثبور وعظائم الأمور إثر إحباط الدولة العبرية مهمة السفن المتضامنة مع أهالي غزة المحاصرين،
وقتلها عدداً من المتضامنين الأتراك، وكان اجتماع بروكسل كما أعلنت إسرائيل يستهدف تحسين العلاقات بين البلدين، وتم عقده بناءً على طلب أنقره التي كانت تعلن في الوقت نفسه عن منع المقاتلات الإسرائيلية من التحليق فوق الأجواء التركية.لم تنكر تركيا انعقاد الاجتماع، وصمتت على أنباء الاتفاق على مواصلة المحادثات مستقبلاً، وندرك أن من حق تركيا العمل على تحسين علاقتها بإسرائيل، باعتبارها من أهم شركائها في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والتجارية، وباعتبارها بوابة مهمة للحوار التركي الأوروبي، كما نؤمن بحقها في العمل على تلميع صورتها في الشارع العربي، سعياً وراء ترويج منتجاتها الاقتصادية، وخلق حالة من التوازن مع الجمهورية الإيرانية، التي وطدت أقدام سياساتها في العديد من البؤر في الوطن العربي، وأن تعتبر مظاهرات رفع الحصار عن قطاع غزة وسيلة مناسبة لذلك، إضافة إلى فكرة دعم حماس التي ولدت من رحم جماعة الأخوان المسلمين التي ولد حزب أردوغان من رحمها أيضاً، قبل أن يتحول بفعل ضغط العسكر إلى ما يشبه الأحزاب العلمانية وإن تمسك ببعض المظاهر التي تؤشر لانتمائه الفكري والعقائدي.اجتماع بروكسل ليس أقل من دليل دامغ على حرص أنقره على المضي قدماً في رعاية المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا، ويعني ذلك ضرورة أن تكون علاقتها جيدة مع البلدين، وإن شابها الفتور مع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وليس أقل من دليل على رغبة أنقره في الحفاظ على العلاقة المتميزة بين البلدين اللذين تجمعهما مجموعة من المصالح العسكرية والأمنية تمتد من المناورات المشتركة مع الولايات المتحدة، لتمر بعقود تحديث إسرائيل لأطقم الدبابات التركية، ولتصل إلى تطابق في الكثير من القضايا الإستراتيجية التي تغيب عن أذهان الذين هللوا لموقف أنقره الاستعراضي في مسألة المتضامنين مع غزة، وإذا كان هؤلاء بحاجة لإثبات فليرجعوا إلى تصريحات أردوغان ضمن برنامج تشارلي روز على شبكة "بي بي أس" والتي أكد فيها أن إسرائيل ما زالت صديقة لبلاده، ولو أنه وصف حكومة نتنياهو بأنها أكبر عقبة في وجه السلام في الشرق الأوسط، واعتبر فيها أن «حماس» كان يجب أن تعطى الفرصة لتولي الحكم، وليس غريباً أن وسائل الإعلام العربية تجاهلت هذه التصريحات، ونشرتها فقط بعض الصحف والمواقع الالكترونية.من حق الطيب أردوغان ومن واجبه تحقيق مصالح بلاده، وأن يعلن افتخاره بتاريخها العثماني الذي كان حقبة سوداء على العالم العربي، مع أنه مهد الإسلام الذي حكم به سلاطين بني عثمان، ولا ندري كيف سيعيد أردوغان أمجاد تلك الفترة، التي تغص كتب التاريخ بوقائع السوء الذي ميزها، ولن نذكر شيئاً عن ما عانته الشعوب الأخرى التي وقعت تحت غائلة العثمانيين، وخلفت عندها ندوباً عميقة من المؤسف أن تلك الشعوب تحمل وزرها للإسلام الذي حكم العثمانيون باسمه، لكننا على ثقة بأن العواطف وليس العقل أو الفهم السياسي، هي التي حركت الشارع العربي وبعض نخبه السياسية والإعلامية وإلى حد التنكر لحقوق كرد تركيا واتهامهم بالعمل المنسق مع إسرائيل لإضعاف حكومة حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الطيب أردوغان.
خارج الحدود ..الفهم القاصر لواجب أردوغان
نشر في: 3 يوليو, 2010: 05:20 م