الدكتور مهدي صالح دوّايا تلبث الأشياء أن تتغير ، ويتبع ذلك التغيّر المزيد من العادات وأنماط السلوك الجديدة ، ومرد ذلك إلى نتائج الابتكارات التكنولوجية ، تلك الابتكارات التي سرعان ما تترك أثرها واضحا في الأشياء المحيطة بنا ، وما يثير الاستغراب ، سعة وعاء الإنسان لاستقبال هذه النتائج وسرعة تكيفه معها يوميا" .
أنها فلسفة معاصرة التكنولوجيا التي أصبحت إحدى أهم سمات التطور في العالم ، وباتت المقارنات الدولية تغادر الأنماط القديمة للحياة ، فبين براءة اختراع وأخرى يقترب الإنسان نحو مفهوم ( الاتوماتية) ، ويبتعد شيئا" فشيئا" عن خيالاته المتأنية ، إذ أصبحت هنالك فسح ضيقة بين ما هو كمالي وما هو ضروري للحياة ، فالحاجة أو السلعة الكمالية سرعان ماتلتهمها شراهة الإنسان المفتوحة لتصبح بعد حين وجيز جزءا" من ضرورياته التي لا يستغني عنها ، وهكذا تعمل معاصرة التكنولوجيا فعلتها ببني البشر.لقد ازدادت التفاصيل الدقيقة لأنظمة الحياة ، فأصبح الانتقال من دولة إلى أخرى أكثر تعقيدا" من ذي قبل من ناحية الأنماط الجديدة للتحضّر، وكأنها انتقالات بين مجموعة كواكب ، فالتطوّر لم يعد يقتصر على البنى التحتية وأنظمة المرور وهندسة الحدائق وعدد الكتب المؤلفة ....، وإنما تعدى ذلك إلى أنظمة الدفع المصرفية ، وبطاقات التسوّق الممغنطة ، والحجوزات الالكترونية لأنواع السفر ، ولغة الانترنيت المحمول ، وأنظمة الرقابة والمراقبة لحركات وسكنات الناس ، والمضاربات الدولية في أسواق الأسهم والسندات ، والتعلّم عن بعد ، وعشرات ومئات التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية .لقد بات بالإمكان أن يعيش الإنسان بسنواته المحدودة ، المزيد من التبدلات الاقتصادية والاجتماعية ، وما يتبعها من ألوان متجددة للحياة ، إلا أن سرعة اللحاق بها قد تشكّل اعباءا" نفسية واجتماعية غير ايجابية داخل الدولة ، أو فيما بين الدول ، فالبون الشاسع بين درجات التطوّر تعمل على إيجاد ردات فعل غير متوازنة ، مما يقتضي أن تكون هنالك جهودا" واسعة على مستوى الأنظمة التشريعية والتعليمية قادرة على المواكبة والاستيعاب .ومما يلاحظ بهذا الخصوص ، ظهور تخصصات علمية وإنسانية جديدة ، أو متداخلة فيما بينها وصولا" إلى نظريات أكثر الماما" بطبيعة المشاكل المعاصرة ، كما قادت الأزمات الدولية المعاصرة إلى تبدلات جذرية بطبيعة الاقتصاد الدولي ، والعلاقات الدولية ، إذ يشهد العالم اليوم عودة إلى مفهوم الدولة الراعية ، ولكن بشكل معاصر يراعي فكرتي الحرية الخاصة والتكتل مع دول متجانسة أخرى ، وهذا بحد ذاته تطور هام جدا" يتعلق بمفهوم الدولة الجديدة القائم على المزج بين أنظمة اقتصادية وسياسية كانت في السابق تعمل بشكل مستقل ومتضاد .ووفقا" لما سبق فان السير على خطى التطور ومعاصرة التكنولوجيا ، ينبغي أن تكون فيه لحلقة التعليم ، الحظ الأوفر ، وأي تعليم يقصد به ؟ إذ أن هنالك عصفا" هائلا" يحدث لأنظمة التعليم في العالم ، فليس من المنطقي أن تكون وسائل الإيضاح قد صنعت من وحي عقد الستينيات من القرن الماضي ، وأجهزة الحاسوب يلهو بها الأطفال في بيوتهم ، إذ أصبح هنالك تعليما" يحاكي المتلقي بكافة حواسه فيطلق لها عنان الخيال والإبداع والابتكار،انه تعليم قادر على تمكين الإنسان من إدارة وقته وجهده وكفاءته بما يواكب التغيرات التكنولوجية المتسارعة ، تعليم يتجاوز الأمية الأبجدية ، ليتعدى عناصر الأمية المعرفية .ومما يعزز من إمكانية معاصرة التكنولوجيا ، ترسيخ مبدأ المواطنة ، إذ بدون هذا العنصر الانتمائي سيكون هنالك المزيد من هدر الوقت والطاقات والأموال والتطلعات نحو المستقبل ، فالاعتزاز بالهوية كان ركنا" من التفوق العلمي والحضاري في التجارب القديمة والحديثة ، إذ تترتب عليه سلوكيات ونتائج قادرة على تحدي معوقات التطوّر ، والدخول في سباق التنافس الدولي انطلاقا" من مزايا الخصوصية وحب الذات الوطنية .وعليه فان المدخلين التعليمي والانتمائي يجسدان أهمية التركيز على أسبقية استثمار الإنسان في عمليات التحوّل والتغيير والمواكبة ، فما دونه تصبح نتائج محسومة ، والأمثلة الدولية المعاصرة تؤكد هذه البديهية ، حينما عجزت الموارد المادية أن تؤدي دورها في غياب دور الإنسان الكفوء ، فالإنسان صنع التكنولوجيا ليستقبل نتائجها فمن الأولى أن يكون أرقى منها ، وهنا تكمن إشكالية التطور والمواكبة ، فالإحساس بالتفوق هو احد عناصر النجاح التي تقود إلى التطوّر، وهذا هو جوهر معاصرة التكنولوجيا .
معــاصـرة التـكـنـولوجيا
نشر في: 4 يوليو, 2010: 04:26 م