حازم مبيضين يبدو أن معجزة فقط هي من سيتيح للعراقيين معرفة اسم رئيس وزرائهم الجديد، رغم اجتماعات المالكي وعلاوي، والتحالفات البرلمانية التي يشكك كثيرون في دستوريتها أو قدرتها على الصمود، ورغم الزيارات المتكررة للفائزين بالانتخابات إلى طهران،
والتدخلات الأميركية الداعية للإسراع بتشكيل الحكومة العتيدة، وآخرها الزيارة المفاجئة لنائب الرئيس الأميركي إلى بغداد، والواضح أن من يسعى لتولي منصب رئيس الوزراء في العراق يحتاج إلى رافعتين داخلية وخارجية وهما توافق إقليمي ودولي، واتفاق بين مكونات الشعب العراقي، وبحيث تلتقي عند شخصيته وبرنامجه السياسي التناقضات العراقية الداخلية وصراعات القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، مثلما يحتاج بشكل شخصي إلى فضيلة التنازل مقابل التنازلات التي يطلبها من الغير، للوصول إلى صيغ قادرة على استعادة التوافق الوطني حول مفاهيم الدولة العراقية الجديدة وأساليب حكمها وضرورة التشارك بدل الاستئثار وإلغاء وتهميش الآخر، أو اعتبار تجربة نوري المالكي نموذجاً يحتذى فيما لو تولى أحدهم المنصب ليسخره لجني مكاسب لمصلحة تياره السياسي، أو طائفته أو القومية التي ينتمي اليها.الأحزاب السياسية العراقية التي ولدت أو مارست نشاطها بحرية بعد سقوط نظام الحزب الواحد والقائد الضرورة، تفتقر للتجربة، وتشعر وهي محقة بعدم الثقة بجماهيرها أو بإمكانية التطور دون دعم السلطة التنفيذية، استناداً الى تجربة البعثيين الذين كانوا يعدون بالملايين أيام حكم البعث، ثم انكمشوا إلى بضع مئات أو آلاف على أحسن تقدير بعد انهيار حكم الحزب الذي كانوا ينتمون إليه، وينسى هؤلاء أن الوضع اليوم مختلف تمام الاختلاف وأن الكثير من الحزبيين ينضوون تحت راية الحزب المؤمنين بتوجهاته، وليس الحزب الذي يقدم لهم الامتيازات، صحيح أن ذلك لا ينطبق على الجميع بتأثير المرحلة السابقة ومفاهيمها، لكن الصحيح أيضا أن المواطن العراقي وضع قدمه على أول الطريق السليم باتجاه الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، ومن الصعب إعادته خطوة واحدة إلى الوراء.التوافق الداخلي ممنوع إلا عبر المرور من بوابة المحاصصة التي يعلن معظم السياسيين التخلي عنها ورفضها كأساس للحكم، وحكومة الوحدة الوطنية تستند أساساً للمحاصصة والتوافق الخارجي وهو شديد الاهمية، لا يبدو في متناول اليد وهو بالتحديد التوافق الأميركي الإيراني، لان هناك الكثير من التوافقات المرتبطة به وإن كانت بعيدة عن الشأن العراقي، وتبدو واشنطن متوجسة من الفوضى المحتملة في بلاد ما بين النهرين وهي لذلك تدفع باتجاه تسريع تشكيل الحكومة، في حين يصر الساسة العراقيون على أن هذا الموضوع شأن داخلي متجاهلين تأثير طهران على عدد منهم، ومتجاهلين الدور العربي التركي الأميركي في التأثير على مجموعة أخرى، ولا يعني ذلك بالمطلق التبعية بقدر ما يعني عند هؤلاء الساسة استخدام الخارج في اللعبة السياسية الداخلية، وإن كان هذا لا يبرئ الساسة العراقيين من تهمة العبث بأقدار وطنهم من خلال ربطها بالمؤثر الخارجي، ويبدون وكأنهم عاجزون عن الاعتماد على إرادتهم الذاتية، وعلى استثمار تضحيات شعبهم لبناء مستقبل زاهر.معجزة هي ما يحتاجه العراقيون ليعرفوا اسم رئيس وزرائهم، والمهم أنه في هذه الحالة فان زمن المعجزات لم ينته بعد، وهي ما زالت ممكنة التجسد على أرض الواقع، والأمل أن لا يطول انتظارها.
خارج الحدود ..معجزة رئيس وزراء الــعــــراق
نشر في: 4 يوليو, 2010: 05:36 م