زهير كاظم عبودباحث وحقوقي عراقيفي ذاكرة كل شعب من الشعوب ثمة تأريخ محدد يشكل علامة فارقة في حياته وتأريخه ، وفي تأريخ العراق الحديث تشكل ثورة 14 تموز 1958 الوطنية أشارة مهمة في التاريخ العراقي ، وحدثا عراقيا وطنيا من أهم الأحداث والعلامات الوطنية التي مرت على التاريخ العراقي الحديث ، بل حدثا وطنيا خاصا يمكن أن يكون من ضمن الأحداث البارزة في الذاكرة العراقية الشعبية منها أو السياسية ، بالنظر للإجماع الوطني المتوحد على قيام الثورة والاعداد لها ومساندتها والمشاركة بها ،
وانضواء جميع الكيانات السياسية التي توحدت ضمن جبهة الاتحاد الوطني تحت خيمتها تستظل بها وتحلم بالاشتراك بتغيير العراق دستوريا وقانونيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا باتجاه فضائه الرحب نحو المستقبل ، بما يضمن الممارسة الديمقراطية لجميع الأتجاهات السياسية ، والفرصة الإنسانية المتساوية لكل الأديان والقوميات المتعددة في العراق .وإذ تترك تلك الثورة مؤشرات مهمة في الحياة العراقية ، رغم كل ما رافقها من السلبيات والعوائق التي وضعت أمام طريقها لإعاقة المسيرة أو إجبارها على الانحراف عن الطريق الوطني السليم ، فانها ودون أن يختلف أحد من الثورات الوطنية التي أزاحت كل ركائز الاستعمار والهيمنة الأجنبية في العراق ، وفتحت للعراق بابا جديدا نحو المستقبل الديمقراطي والأفق الواسع ، كما نهجت ومنذ أيامها الأولى الى اعتماد المنهج الديمقراطي الحقيقي ، من خلال المشاركة الجمعية لكل القوى السياسية والقومية والدينية في العراق ، حيث أن غياب الديمقراطية الحقيقية في العهد الملكي كانت سببا مهما وأساسيا لقيام الثورة وإسقاط النظام الملكي وتأسيس الجمهورية ، كانت الشكلية والتبرقع بمظاهر الديمقراطية من علامات النظام الملكي ، وماعادت تلك المظاهر تنطلي على القوى السياسية ومكونات الشعب العراقي ، فقد بدأت تباشير خطوات التدرج في الممارسة والسلوك الديمقراطي في أول سنوات الثورة ، ولجأت في سبيل الوصول الى ترسيخ النظام الدستوري ورسم معالم الدستور العراقي بديلا عن الدستور المؤقت الذي تمت صياغته على عجالة ، ولذا تم تكريس مبدأ المشاركة الجمعية لكل القوى دون استثناء ، بأن تناط رئاسة الدولة بمجلس للسيادة يتكون من ثلاث شخصيات مشهود لها بالوطنية ، وتمثل الطيف العراقي تمهيدا لنقل السلطة وفقا لمعايير الدستور الدائم المنتظر ، واتسمت قرارات الثورة بالاعتدال والوسطية ، بالإضافة الى اشراك جميع ممثلي الأحزاب العراقية والشخصيات الوطنية وعدد من العسكريين من المستقلين في تشكيلة الحكومة التي رفضت تشكيلها شخصيات وطنية مدنية ، بينما اعتمدت الثورة على إتاحة الفرصة للكوادر العراقية في البناء وتأسيس دولة القانون وطرح الأهداف التي تتيح للقطاعات الفقيرة أن تأخذ حقوقها وتوفر لها المكان اللائق في تلك العملية . لم يكن يوم الرابع عشر من تموز عام 58 حركة عسكرية يقودها ضباط في الجيش العراقي غامروا بأرواحهم من أجل المناصب ، كما لم تكن حركة انفعالية لاغتصاب السلطة ، ولم تكن حركة منفردة تفاجئ بهاالأحزاب العراقية خصوصا وأبناء العراق عموما ، إنما كانت نتيجة ذلك المخاض الذي عاشه الإنسان في العراق ، وتلاحمت من خلاله كل قواه السياسية على اختلاف شعاراتها وأهدافها ، لتحرك مجموعات الضباط الأحرار الذين ساهموا بشكل فعال في تلك الثورة مقدماتها الأولى ، وشكلت فصائل الجيش العراقي سندها ومنفذ تلك الحركة ، وشكل تلاحم الجماهير الوطني وتضحياتها انعكاسا فريدا من نوعه في التاريخ ، كما شكلت تلك القاعدة الجماهيرية التي جسدت الوحدة الوطنية القاعدة الأراس لهذه الثورة ، ولذا لانغالي إذا قلنا انه التلاحم الذي ساهمت به المجموعات الأكبر والأوسع من تلك الجماهير الشعبية ، لتعزل القوى المستغلة عنها وتشكل ظهيرا وسندا متينا لتلك الثورة . عملت الثورة بشكل فعال وملموس على تغيير القاعدة الاقتصادية والاجتماعية في العراق ، وسعت الى تطويرها وتحويل المجتمع القبلي العشائري القابع تحت سلطة شبه إقطاعية وعلاقات استغلالية مجحفة في المدن الى مجتمع متمدن ، وإلغاء الترتيب الطبقي المتحكم في السياسة الى مجتمع يقر بالتعددية لكل الطبقات ، واعتماد التعددية في النظام الاقتصادي واعتماد منهج التدرج في الالتزام بسياسة معينة تعتمد الأعتدال والحياد ، ويمنح كل منها فرصته في الحكم والممارسة ، بالإضافة الى مشاركة مطلقة في عملية البناء باتجاه اللحاق بالعصر الحديث بما يليق بالعراق ويمنح أبناءه الفرصة الحقيقية الملموسة . أن قانون التطور السياسي – الاجتماعي – الاقتصادي دفع الحركات السياسية الوطنية للتفكير بالتغيير الجذري لشكل الحكم في العراق ، وبالتالي إنقاذ العراق من الحال الذي كان عليه ، ولم يكن لتلك القوى أمام منهج القمع والارتماء في أحضان الدول الامبريالية والمستغلة والطامعة وغياب الديمقراطية ، لم يكن لتلك القوى أمام التحالفات العقيمة والاضرار بمصالح ومستقبل العراق ، الا أن تنهج منهجا يتيح لها عزل تلك السلطات بالثورة الجماهيرية التي أحدثت الزلزال العراقي بنتيجة التلاحم بين القوى المدنية والعسكرية التي فجرت الثورة . ولعل إنصاف المرأة العراقية كانت من العلامات البارزة والهاجس الذي تبنته الثورة ، حيث كان العراق يشكو من غبن كبير وتهميش ملحوظ لواقع المرأة العراقية ، ولهذا برزت النساء العراقيات سواء في منظماتهن أو في تجمعاتهن يساهمن جنب
قوانين ثورة 14 تموز 1958
نشر في: 11 يوليو, 2010: 04:54 م