TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > أمــــــل لــقــيــــام "الــرشــــيــــد"

أمــــــل لــقــيــــام "الــرشــــيــــد"

نشر في: 11 يوليو, 2010: 06:23 م

د. خالد السلطانيمعمار واكاديمي قليلة هي المدن التى يقترن "اميجها" المتصور بشارع ما محدد فيها. فينوب، عندذاك، شارع مميز في مخطط المدينة عن تمثيل كيانها الحضري في الخطاب. وتعد بغداد ضمن تلك المدن النادرة في هذا المجال. اذ يستحضر شارعها الجليل: شارع الرشيد، صورة تلك المدينة التاريخية الى الذاكرةً.
 ثمة خصائص عديدة ومتنوعة، اشتركت فيما بينها لتجعل من الشارع اياه ان يكون "ايقونة" المدينة ورمزها الحضري.وهذه الخصائص نابعة من طبيعة الشارع ذاته، وكذلك من خصوصية المدينة الواقع فيها. فالشارع كان الاطول في المدينة؛ و"نهره" المنساب من اول شمال بغداد، التى كانت، وقتذاك، مسورة؛ الى آخر جنوبها، يحاذي انسياب نهر دجلة الموازي له والقريب منه، ذلك النهر الذي اعتبر دوما "جادة" المدينة الرئيسية، وطريقها الرئيس منذ ان اُختطت في منتصف القرن الثامن الميلادي، كحاضرة للخلافة الاسلامية ولتكون عاصمتها الشهيرة. لقد اكتسب شارع الرشيد اسمه عام  1932، واشتهر به  لاحقا. لكن الشارع  لم يكن معروفا من قبل بل لم يكن موجودا اصلا،  قبل ان يهتدي الى فكرته احد القادة العسكريين الاتراك اثناء الحرب العالمية الاولى. وسرعان ما تم شقه ضمن النسيج المديني المتضام والمكتظ،وافتتح سنة 1916، وسٌمي على عجل بـ " خليل باشا جادة سي"، تيمناً باسم القائد العثماني صاحب الفكرة الجريئة. بيد ان شقه لم يكتمل في حينه، واكمله الانكليز لاحقاً، مطلقين عليه اسم " هند نبرغ" وشارع "شارع النصر" ومن ثم " الجادة الجديدة".  وما لبث هذا الاسم  ان تبدل هو الآخر الى "شارع الرشيد"، عندما اتخذت امانة العاصمة في حينها قرارا في اطلاق تسميات جديدة على شوارعها الرئيسية. على ان اهمية الشارع لا تنبع، كما انها لا تقتصر فقط على طوله المديد، ولا على تماثل "نهره"  مع مجرى النهر المحاذي له. ان اهميته بالتأكيد تعود ايضا بكون الشارع  (وتخومه.. معاً) كانتا تمثلان مركزا اداريا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وترفيهيا مهماً ولفترات زمنية طويلة. فمنطقة الرشيد هي مركز الحكومة ومكان لمقر معظم  وزاراتها، بدءأ من الخارجية مرورا الى الدفاع والصحة والاشغال والشؤون الاجتماعية، فضلا على ان القشلة المجاورة للرشيد كانت  مكانا لمقر رئاسة الوزارة ومقرا لوزارات عديدة منها المالية والداخلية والمعارف والعدلية وغيرها. وتتجمع في منتصف الشارع العتيد اهم البيوتات المالية والمصارف الاهلية والحكومية، بضمنها البنك المركزي العراقي. وعلى امتداده، وخصوصا في منطقة الشورجة، كان الشارع يستحوذ على المقدرات الاقتصادية باسواقه المختلفة والمتعددة الحافلة بالبضائع المتنوعة، ولهذا عُد ّ الشارع بحق عصب الحياة الاقتصادية، ليس للمدينة فقط وانما لعموم البلد. هذا فضلا على ما كان يتمتع به الرشيد بكونه مجالاًً لنشاط ترفيهي مكثف لما يحتوية من دور للسينما هي الأشهر في العراق ولفترات طويلة، كما انه المكان الاثير للنخبة المثقفة في عدد مكتباته الغنية بمطبوعاتها ومقاهيه  المتنوعة بالإضافة الى وجود مقار لمختلف الصحف وامكنة طباعتها. والرشيد هو الحلقة الاهم في اتصالات ومواصلات شمال المدينة بجنوبها، وهو الممر الرئيس الذي يصل الكرخ بالرصافة؛ وبه تصب معظم جسور المدينة الأساسية سواء القديمة منها ام الجديدة.تخطيطيا، عُد شارع الرشيد بمثابة المفردة الحضرية الرئيسية، واهم  حدث تخطيطي طال نسيج البيئة المبنية، وعلى غراره تم انشاء شوارع عديدة، سواء في الرصافة ام في الكرخ، مثل شارع الكفاح والشيخ عمر والجمهورية بالإضافة إلى شارع 14 تموز. وفيما يخص  القيمة المعمارية، فالرشيد ليس له مماثل في عموم مفردات التخطيط الحضري لمدينة بغداد. وظل المكان الاثير لتجارب معمارية طليعية، اسست لظاهرة الحداثة المعمارية بالعراق. وعمارته المتنوعة ذات الاساليب الفنية المتعددة، كانت دوما تقرأ بكونها "البوم" العمارة العراقية الحديثة. ان معظم معماري العراق الرواد ان لم يكن جميعهم عملوا في الرشيد، بدءأ من نعمان منيب المتولي و احمد مختار ابراهيم، وحازم  نامق ومحمد مكية وجعفر علاوي، وعبد الله احسان كامل ومدحت علي مظلوم  ورفعة الجادرجي  وقحطان عوني وقحطان المدفعي وهشام منير وناصر الاسدي وغيرهم، ما يجعل من المنتج المعماري "الرشيدي"  ليكون افضل "مجموعة" معمارية حداثية في عموم العراق، وهي التى اعطت الشارع اهميته المعمارية والثقافية، بحيث بات الشارع بمنزلة ذاكرة العراق وخزين ذكرياته. هذا بالاضافة الى ما تتمتع به منطقة الرشيد من شواهد معمارية عديدة تعود الى ازمنة مختلفة كالمدرسة المستنصرية وجامع الخفافين ومبنى القشلة، فضلا على وجود امثلة مميزة لبيوت بغدادية بعمارة تقليدية، ما يضفي بعدا آخرا على قيمة هذا الشارع وتخومه. تعرض الشارع في الفترات الزمنية الاخيرة لكثير من الاهمال واللامبالاة والتخريب المتعمد، نتيجة عوا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram