اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أفق النهضة وأسئلة الثقافة..قراءة في كتاب "نحو وعي ثقافي جديد" 3 ـ 3

أفق النهضة وأسئلة الثقافة..قراءة في كتاب "نحو وعي ثقافي جديد" 3 ـ 3

نشر في: 13 يوليو, 2010: 05:10 م

بغداد سعد محمد رحيمفي تحرشه الحذر بإشكالية العقل والنقل كما هي مطروحة على بساط البحث النظري عربياً منذ قرون، فان المسدّي لا يقول لنا بصراحة؛ النقل من أي نص طالما هو يؤكد أن العقل لا يستقيم أمره في غياب مطلق للنقل. ثم يلتف على الموضوع نافياً أن تكون العقلانية قيمة مطلقة لأن في ذلك "جموح عن منازل العقل ذاته" ص127.
 أما كيف ذلك؟ فانه يدلنا على تلك الحقائق التي "يصدقها الحس ولا يستدل عليها ببرهان: كالجمال، والحب، والفن، والهوى، واللذة" ص127. ليؤكد نسبية العقلانية في القيم الثقافية. فهناك الأنا والآخر والكونية والخصوصية واختلاف الزمان والمكان وتبدل السياق. وهكذا يصل في الكلام إلى تلك القيمة الكبرى التي تدخل في صميم المنظومة الأخلاقية الإنسانية.. يقول؛ "إن للتسامح أشراطاً أعظمها وأجلّها إقرار حق الاختلاف،والتسليم بالندية الاعتبارية، وانتفاء منازع التسلط الحضاري والابتزاز الثقافي والتسخير الايديولوجي" ص128. هل يمكن أن نوجد وعياً ثقافياً جديداً أساسه سلطة العقل والنبل الإنساني وقيمة التسامح بالدعوات والصلوات والمواعظ الحسنة، أم أن ذلك يتطلب تغيرات جوهرية على أرضية الواقع الاجتماعي والاقتصادي وتشكيلاته العلائقية، وفي طبيعة العلاقات السياسية بين الحاكم والمحكوم وبين المجتمعات والدول. مع عدم إنكار ما للتطور الفكري ونضج الثقافة المنتجة من أدوار في هذا المجال.أما أهم ما يعالجه المسدّي في كتابه فهو الذي يتعلق باللغة والوعي بآليات الخطاب: وهنا يواجهنا بأسئلة دقيقة حول البحث في السياسة من خلال اللغة أو العكس. مشيراً في البدء إلى أن "اللغة في الوجود أداة مطلقة، وهي في السياسة قيمة مقيدة، ولكنها في الإعلام وظيفة متحكمة" ص141. هذا التقسيم سيكون له وظيفته في ميدان تحليلاته اللاحقة. وإذ يلخِّص المسألة بهذه العبارات؛ "ليس مألوفاً عندنا أن نبحث في الآليات المحرِّكة للغة في مجال السياسة؛ لأننا لم نتشبع نواميس استراتيجيات الخطاب عموماً وقوانين استراتيجيات الخطاب السياسي تخصيصاً" ص141. فانه سيلج هذا الحقل الجديد في الفضاء المعرفي العربي بعدِّه احد أساتذته، وله، كما نعلم، بحوثه وأفكاره بهذا الشأن. في رأيه أن اللغة هي مركز الفعل السياسي إلى جانب كونها نواة المركزية الجديدة للكون وظواهرها والوجود المتعين فيها. وقد استثمرت السياسة اللغة لمصلحتها فيما أضاعت اللغة بعضاً من حياديتها وبراءتها في معترك السياسة. وهكذا تخطت اللغة وظيفتها الإبلاغية لتكون صانعة للفعل السياسي حتى أمست "جوهر الحدث السياسي في ذاته ولذاته" ص143.لا يستقيم اليوم فهم الحياة السياسية والحضارية من غير البحث في شبكة علاقات اللغة والسياسة وإنتاج الخطاب السياسي. ولابد من إدراك "كيف يتم إنتاج الخطاب السياسي وكيف يتم استقباله؟" ص146 فتصنيع "الواقع يمر عبر تصنيع الخطاب" ص 149. وبهذا ينشغل المسدّي، وفي إطاره يفكِّر وينظِّر. فالصناعة اللغوية كما ينبئنا؛ "هي أس من أسس المعمار الذي تتشيد عليه إستراتيجية الخطاب السياسي، ويعلو به صرح الفعل الاجرائي، لأنها الجسر الذي تتهيأ عليه آليات التخييل" ص147. وبالتخييل تجري صياغة الصورة الماكرة التي تموه الصورة الأصلية للواقع وتشوش الوعي. فصنّاع الخطاب المهرة في السياسة "ينتجون الصورة الشعرية وكلهم رغبة في أن يتكاسل الوعي عن إدراك انها صورة، فوظيفة الأداء تزداد إلى كلامهم بقدر ازدياد غيبوبة الإدراك لدى المستقبلين لرسائلهم من عامة الناس وفيالق الجمهور" ص 149. هنا تحل آليات الحقن محل آليات التلقي، ويغيب البعد السلبي/ النقدي في التفكير، ويُقبل الواقع على علاّته، ويذعن الإنسان، ويُقاد القطيع إلى المسلخ.  وبدراية المثقف وسعة أفقه ورؤيته الثاقبة يلتقط المسدّي ما يمكن أن نسميه واحداً من مفاتيح الحل النهضوي العربي؛ "لن يحقق العرب انتصاراً سياسياً في الساحة الدولية إلاّ إذا أتقنوا صناعة الخطاب، وتمرسوا بآليات تفكيك الخطاب. وتفوقوا في مهارات توظيب الخطاب" ص152.نعود إلى اللغة، وهذه المرة إلى بعدها التداولي. طالما أن المسدّي مهموم بصناعة الخطاب والتي تقوم على قواعد التواصل اللغوي وتخزن طاقة إبلاغ بقدر ما، وتسعى إلى النفاذ والتأثير وتغيير القناعات. عادّاً الخطاب السياسي "أقوى الخطابات تمثيلاً للمعطى التداولي، أما صورة انجلائه فتتحقق في أن الكلام يؤخذ بالضرورة في سياقه الأدائي وفي حيثياته التواصلية، وكذلك بالقرائن الدالة على افتراضاته التقديرية مما يفتح منافذ تأويله طبقاً لإسقاط المقاصد على النص المنطوق به" ص157. ولابد أن تؤدي وسائط الإعلام ( الميديا ) وظيفتها في هذه العملية المعقّدة، بعدما انتشرت على نطاق واسع داخلة كل مدينة وقرية في عالمنا المترامي الأطراف، وغيّرت آليات التواصل، ومعها شبكة العلاقات الاجتماعية والسياسية. عند هذا المفصل ينحت المسدّي اصطلاح ( قانون الانخراط الدلالي المشترك ) الذي يصفه ببالغ الخفاء، شديد التمكن. وهو الذي يعني؛ "أن كل كلمة يختارها المتحدث في سلسلة كلامه تمثل التزاماً بدلالتها التصريحية وبدلالتها الإيحا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram