قاسم علوانابريهة.. من ارقى الأحياء السكنية في مدينة البصرة، وعقاراتها الأغلى ثمنا حتى من العقارات في احياء بغداد الراقية، وهذا ما افادنا به احد سماسرة العقارات في المدينة.. واخذ هذا الحي تسميته اصلا من قبيلة لمربي الجاموس كانت تسكنه خلال السنوات الاولى لنشأة مدينة البصرة الجديدة
بعد الدمار الذي لحق بالبصرة الأولى قرب ما يسمى بـ (خطوة الامام علي)، ولأن هذا المكان الجديد ايضا يجاور شط العرب وأحد اكبر فروعه وهو نهر السراجي فكان الانسب لهذه القبيلة من مربي الجاموس وهم من المعدان.. وقد تطرق الى هذه المعلومة المؤرخ الشيخ المرحوم عبد القادر باش اعيان في كتابه (موسوعة تاريخ البصرة) كما اكد لي ذلك محدثي الشيخ وسمي فياض منجل بعد لقائنا به وهو شيخ عشيرة (المحياة وهي احد فروع قبيلة ابريهة) وهو موضوع تحقيقنا الحالي.. يقول بانه كان يزور اقاربه بمصاحبة والدته عندما كان فتى يافعا الى محلة ابريهة فهم كانوا يسكنون في مكان آخر من اهوار شمال البصرة.. وكان المكان الذي يشغله المستشفى التعليمي في الوقت الحاضر هو (مقيل) جواميسهم.. مازالت محلة ابريهة تحمل الاسم نفسه وفيها شارع رئيسي تطل عليه الفلل والقصور الفارهة اسمه لغاية هذه اللحظة (شارع المعدان).rnهناك حكاية شائعة قديمة في مدينة البصرة هي اقرب لحكايات الاساطير او الخرافة.. لكنها واقعية كما يؤكدها الكثير.. تقول بان هناك نجمة في السماء تسطع يوميا باكرا يطلق عليها محليا (ابريهة) أي على اسم هذه القبيلة، وربما هي إحالة الى انطلاق الحياة اليومية لهذه الفئة من الناس في الصباح الباكر حيث يستوجب حلب اناث الجاموس وبدء العمل اليومي.. لكن احدى القبائل الكبيرة المجاورة لهم وهم (الحيادر) حسدت هذه القبيلة على نجمتها..!! فارادت شراءها منها، وفعلا دفعت ثمنا غاليا لها من قطعان الجواميس والقطع الذهبية وكذلك عدد من النساء كما هو شائع حينذاك.. لكن الناس ظلت تطلق على تلك النجمة اسم (ابريهة) فنشبت حرب طاحنة بين تلك القبيلتين... لاندري كيف انتهت لكن الامثال لاتزال تضرب في ذلك العداء وتداعياته..بعد وضع الخطط العمرانية الاولى قبل سقوط الدولة العثمانية استطاع احد (وجهاء) البصرة وضع يده على قطعة الأرض تلك التي تمتد الى أكثر من عشر دونمات بعد ان مسحها وسجلها في دوائر (الطابو) حينذاك باسمه.. تم تهجير تلك القبيلة مع جواميسها واكواخها الى احد مناطق اهوار شمال غر ب البصرة بدون أي اعتراض من افرادها لأنهم لايملكون اي مستمسك رسمي او وثيقة تخص حياتهم.. او تخص أي ارض يقيمون عليها سابقا او لاحقا.. انهم معتادون على الترحال دائما مثلا خلال فصول السنة الواحدة، هناك بعض العشائر منهم تغير اماكن سكناها من فصل الى آخر بحسب توفر العشب والمناخ المناسب.. يقول مضيفنا الشيخ وسمي فياض:ـ (المعيدي رجل بسيط وساذج ـ واضاف كلمة لا استطيع تدوينهاـ يبحث عن حياة الكفاف والاسترخاء.. لم تشغله يوما مراجعة دوائر الدولة لأي سبب كان..) rnأصلين ـ الجنة المفقودةاستقرت هذه العشيرة بعد هذا الترحيل الاجباري في هور (اصلين) القريب من قضاء المدينة شمال غرب البصرة.. والكلام مازال للشيخ فياض.. وكانت في هذا الهور مدينة بالاسم نفسه لا اجمل منها في العالم على حد علمنا.. انها جنة الله على الأرض.. بحسب تعبيره الدقيق.. ويضيف.. حيث ب ساتين النخيل من اجود الاصناف تظلل المدينة من كل جانب وكذلك تحيط بها المياه من كل جانب ايضا وقد بنيت بيوتها ومحلاتها التجارية على (اجباشات) مصنوعة من البردي والقصب والطين طافية على سطح الماء والتنقل فيما بينها يتم بواسطة القوارب الصغيرة (المشاحيف) وتقطن فيها ما يقارب 2500 عائلة.. انها اجمل من مدينة الكويت في ذلك الوقت حيث تسنى لي زيارتها.. كما اضاف الشيخ وسمي منجل.. كان الفلاح في ذلك الوقت يملك اكثر من ألف نخلة من صنف البرحي وهو كما  معروف من اجود اصناف التمور العراقية، وكذلك زراعة الرز (الشلب) حيث يتوفر الماء العذب على حافات الهور والارض الخصبة وكذلك صيد الاسماك والطيور المهاجرة من البط الصيني ودجاج الماء والطيور الحرة الأخرى.. بحيث يستطيع الصياد ان ينتقي نوع السمكة وحجمها ليرميها بـ (الفالة.. وهذه الآلة عبارة عن اصابع معدنية مسننة وبزعانف متصلة بذراع خشبي مستقيم) كانت ثروة طبيعية هائلة.. كل ذلك قد تدمر واندثر تماما بما في ذلك المدينة نفسها بعد العام 1991 او قبله بسنين قليلة حيث بدأ تنفيذ مشاريع تجفيف مياه الاهوار قبل وبعد الانتفاضة التي اندلعت ربيع ذلك العام.. وكبديل لهور اصلين وسكانه المتضررين من التجفيف انشأت الحكومة السابقة عددا من المشاريع منها مشروع (المصب العام) ومشروع (النصر) في عامي 94ـ 95 وهذه المشاريع عبارة عن قنوات ري ومبازل بعيدا عن أراضي الاهوار المجففة على حافة الصحراء.. وزعت اراضيها على الفلاحين من متضرري تجفيف هور اصلين والاهوار الأخرى.. لكن ارتفاع نسبة الملوحة في تلك الارض وملوحة المياة في قنوات الري افشل ذلك المشروع.. مثلا زراعة الرز (الشلب) انتهت تماما..بحثت تلك العشائر بجهودها على ما يناسبها من اماكن على ما تبقى من مسطحات مائية قريبة منها فيها بعض صفات الاهوار لتحافظ على ما تبقى من ملكيتها