حامد الحمداني ولد عبد الكريم قاسم في 21 كانون الأول 1914، من عائلة فقيرة تسكن محلة المهدية وهو حي ٌفقير يقع في الجانب الأيسر من مدينة بغداد. أبوه جاسم محمد البكر الزبيدي ـ جرى تغييره إلى قاسم ـ وأمه كيفية حسن اليعقوبي وله شقيقان هما [حامد قاسم] شقيقه الأكبر ويعمل كاسباً في بيع الحبوب والأغنام ،وشقيقه الأصغر [لطيف قاسم ] الذي كان نائب ضابط في الجيش العراقي ،
وبقي بتلك الرتبة طوال مدة حكم أخيه عبد الكريم قاسم ،أما والده فكان يعمل نجارا ً،كما كان يردد عبد الكريم دائماً في خطبه ،ويفخر بكونه أبن ذلك النجار الفقير.انتقلت عائلته إلى بلدة الصويرة، وهي بلدة صغيرة في جنوب العراق، وكان عمره 6 سنوات، ولكن العائلة ما لبثت أن عادت إلى بغداد عام 1926، حيث أكمل عبد الكريم دراسته الإعدادية، وتخرج فيها عام 1931، واختار بعد تخرجه أن يعمل معلماً، لمساعدة عائلته ،وتعيّن بالفعل في إحدى قرى الشامية وهي بلدة صغيرة تقع في جنوب العراق ،وقضى في التعليم سنة كاملة، غير أن مهنة التعليم لم ترضِ طموحه، فقد كان، وهو ابن العائلة الفقيرة، يتطلع إلى طموح ٍبعيد المدى،يحقق حلمه في إحداث تغييرٍ عميق في حياة الشعب العراقي وفي تحرير العراق من ربقة الاستعمار من جهة ،وفي معالجة مشكلة الفقر من جهة أخرى، وفكر عبد الكريم قاسم في ترك مهنة التعليم، والتحول نحو الجيش الذي كان يرى فيه أمل الشعب في إجراء التغيير الحقيقي والجذري المنشود بعد أن عجزت انتفاضات الشعب المتتالية عن تحقيق هذا الهدف.كان لابن خالته، العقيد الطيار، محمد علي جواد، قائد القوة الجوية آنذاك ،وليس كما ذكر اسم عبد الجبار جودت خطأ وهو ابن خالة عبد الكريم وليس ابن عمته وقد أغتيل مع بكر صدقي في بهو المطار العسكري في الموصل، دور في دخول عبد الكريم قاسم الكلية العسكرية عام 1932، حيث تخرج فيها بتفوق، في 15 نيسان من عام 1934 ضابطاً برتبة ملازم ثان في الجيش ،وتدرج في رتبته العسكرية حتى وصل إلى رتبة رئيس [نقيب] حيث دخل كلية الأركان في 24 كانون الثاني 1941 وتخرج فيها بتفوق عام 1943. وفي 4 تشرين الأول 1950 أُرسل عبد الكريم إلى لندن للمشاركة في دورة عسكرية للضباط الأركان أنهاها بتفوق، وعاد إلى العراق ،وتدرج في رتبته العسكرية حنى بلغ رتبة زعيم ركن [عميد ركن ]، وكان آخر مركز شغله في المؤسسة العسكرية هو آمر اللواء التاسع عشر الذي كان له شرف قيادة ثورة 14 تموز عام 1958 .شارك عبد الكريم قاسم خلال خدمته العسكرية في حرب فلسطين آمراً لأحد الأفواج وأبدى بطولة نادرة في معركة [كفر قاسم ]، غير أنه عاد من تلك الحرب ناقماً على السلطة الحاكمة في بغداد ،التي خذلت الجيش ،ومنعته من تنفيذ مهامه، وتحقيق آمال الأمة العربية في الحفاظ على عروبة فلسطين ،فقد قُيدت حركة الجيش ،ومنع من القيام بمهامه بسبب التواطؤ المعروف بين بريطانيا والحاكمين بأمرهم في بغداد ،فلم تكن حرب فلسطين سوى مسرحية نفذها الحكام العرب آنذاك، بإخراج أنكلو - أمريكي، من أجل تحقيق وعد بلفور، وزير خارجية بريطانيا، الذي وعد اليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين .ويتذكر الذين عاصروا تلك الأحداث ، وكنت واحداً منهم ، فضيحة الأسلحة الفاسدة التي جهزت بها بريطانيا الجيش المصري،أيام الملك فاروق، والتي أستخدمها في تلك الحرب، مسببة وقوع خسائر جسيمة في صفوف الجيش المصري ،وتدمير معنوياته، وخذلانه ،من أجل تحقيق أهداف بريطانيا والحركة الصهيونية، في سلب قلب الأمة العربية، وصلة الوصل بين المشرق العربي ومغربه وكان لاختيار فلسطين لإقامة هذا الكيان، اللاشرعي أهداف بعيدة المدى للإمبريالية الانكلو - أمريكية، ظهرت جلية لكل ذي بصيرة ،في تمزيق العالم العربي ،ومنعه من التوحد ،وفي فرض السيطرة الكاملة على المنطقة العربية، والهيمنة على ثرواتها النفطية، وليجعلوا من إسرائيل سيفاً مسلطاً على رقاب الأمة العربية ،وحارساً قويا وأميناً للمصالح الإمبريالية في الشرق الأوسط والخليج.ولدت تلك الحرب وسلوك الحكام العرب لدى عبد الكريم قاسم سخطاً مشروعاً على النظام العراقي وخيانته لمصالح الوطن ومصالح الأمة العربية ،وجعلت فكرة الثورة تختمر في تفكيره ،فكرس جهده لتنفيذ هذه الفكرة حتى تحقق له ذلك صبيحة 14 تموز 1958.كما أن الأحداث التي تلت حرب فلسطين في العراق، والتي كان على رأسها وثبة كانون المجيدة في نفس ذلك العام، ووثبة تشرين المجيدة عام 1952، وعقد حلف بغداد ،وانتفاضة عام 56، إبان العدوان الثلاثي على مصر، والتي قمعها الحاكمون بالحديد والنار، جعلت الشعب العراقي وقواه الوطنية، والعناصر الوطنية الثورية في الجيش ،وفي المقدمة منهم عبد الكريم قاسم يفقدون أي أمل في إصلاح أوضاع البلاد سلمياً، ووجدوا أن العمل الثوري هو السبيل الوحيد لإزاحة الفئة الحاكمة من الحكم، وأن السبيل لذلك لا يمكن أن يتم إلا بتدخل الجيش.وهكذا جاءت ثورة الرابع عشر من تموز 1958، والتي قادها بنجاح ،عبد الكريم قاسم مدعوماً بكل فئات الشعب ،من قوميين، وديمقراطيين وشيوعيين ،خرجوا جميعاً صبيحة ذلك اليوم لإسناد الثورة ودعمها ،مستعدين للتضحية والفداء من أجل نجاحها ،وديمومتها،ومن أجل تحقيق آمال وطموحات الشعب العراقي في الحياة الحرة الكريمة.واستطاعت حكومة الثورة التي شكلها عبد الكريم قاسم أن تحقق الكثير من الإنجازات ،
عبد الكريم قاسم.. الانسان والقائد
نشر في: 14 يوليو, 2010: 06:38 م