فريدة النقاشبعد أقل من شهر من رحيل عميدة المراسلين الصحفيين في البيت الأبيض (هيلين توماس) واحالتها الى التقاعد إثر اطلاقها تصريحات ضد الممارسات الإسرائيلية في فلسطين ومطالبتها للإسرائيليين بالعودة إلى بلدانهم الأصلية وترك فلسطين لأصحابها أي أنها خرجت مطرودة من موقعها، طردت محطة الـ سي.ن.ن الشهيرة الصحفية الأمريكية من أصل لبناني والمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط أوكتافيا نصر
بسبب رأي لها كتبته علي موقع (تويتر) الإلكتروني أشادت فيه بالمرجع الشيعي الراحل (محمد حسين فضل الله) وقالت إنها كانت تحترمه كثيرا.ومن المعروف أن أمريكا أدرجت منظمة حزب الله التي شارك فضل الله في تأسيسها في لائحة المنظمات الارهابية الدولية. وتأتي الواقعتان علي التوالي لتكشفا عورات الديمقراطية الأمريكية وتناقضاتها وحدودها وتبرهنان علي قول أحد الكتاب أن أمريكا هي اقرب الديمقراطيات الغربية إلي الدولة البوليسية.وكان الرئيس السابق جورج بوش الابن قد أصدر بعد واقعة الحادي عشر من سبتمبر 2001 حين قامت طائرات بقصف برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومقر وزارة الدفاع (البنتاجون) في واشنطن - كان قد أصدر مجموعة من القوانين التي تقيد حريات المواطنين الأمريكيين وتبيح لقوات الامن التنصت علي هواتفهم ومراقبة بريدهم واحتجازهم بحجة الدفاع عن الوطن ومحاربة الارهاب المحتمل.. وانطلقت منذ ذلك الحين أوصاف الدولة البوليسية علي النظام الأمريكي.وعاشت الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 في أجواء مكارثية مجددا وهي الاجواء التي استثمرتها القوي المحافظة الجديدة والتي تحالفت معها القوي الصهيونية ذات النفوذ الواسع في أمريكا لتفرضا حماية علي الممارسات الاسرائيلية وصولا الي استخدام أساليب الابتزاز والبلطجة حتي لا تكون هذه الممارسات موضع نقاش ناهيك عن النقد، وها قد أدى النقاش والنقد إلى الإطاحة بامرأتين داستا على الأسلاك العارية في دولة تتناقض الشعارات المرفوعة فيها مع الممارسة.ويتواكب هذا التوجه ضد الحرية مع الأزمة العميقة التي دخل فيها النظام الرأسمالي الأمريكي والتي ازدادت عنفا قبل عامين حين انهارت مؤسسات مالية كبرى وانتقلت الأزمة إلى بلدان أوروبا وغيرها من بلدان العالم لتؤكد أن الرأسمالية حين تتحول إلى امبريالية بوصولها إلى مرحلة الاحتكار فإنها تقوم بالتضييق على الحريات العامة، ويجري تفريغ لفظ الليبرالية من محتواه السياسي والفكري ليصبح شعارا ايديولوجيا فحسب. تتناقض معه ممارسات كل من نظام الحكم والمؤسسات العامة، كما هو الحال مع (هيلين توماس) و(اوكتافيا نصر)، واللتان عبرتا عن آراء وأفكار المفروض أن يجري احترامها من وجهة النظر الليبرالية كما قرأنا أسسها في الكتاب.وكما يقول الكتاب على الصعيد النظري. تتعلق المنظومة الليبرالية بالحرية وهي تستعمل المفهوم في مستويين، مستوى فردي ومستوي جماعي. في المستوى الأول المفروض أنها تتقبل آراء الآخرين وتدعو الجميع إلى هذا التقبل حتي لو كانوا لا يتفقون مع هذه الآراء التي لا يجوز أن تكون سببا لالحاق الضرر بأصحابها.أما في المستوى الثاني فهي تعني التعددية السياسية ووجود منظومة من الحريات العامة المضمونة والمعترف بها والتي يتوافق المجتمع على حمايتها ويرفض - نظريا- أي مساس بها.ولكن هذه الممارسات الصريحة المعادية لحرية الرأي، وهي الحرية القابلة للتعدد نظريا تبين لنا أن للديمقراطية الليبرالية حدودا. وأن من يضع هذه الحدود ليس النظام السياسي فقط وإنما تشارك في وضعها بعض المؤسسات العريقة التي من المفترض فيها حماية حرية الرأي والتعبير التي قال لنا الليبراليون الأوائل إنها مقدسة.وقبل شهور قام المجلس القومي للسينما الأمريكية الذي يمنح جوائز الأوسكار وهي أشهر الجوائز السينمائية في العالم باستبعاد فيلم (أفاتار) من قائمة الأفلام الفائزة رغم اجماع النقاد علي جدارة الفيلم واستحقاقه للجائزة الكبرى لسبب بسيط هو أنه تضمن نقدا جذريا للسياسة الأمريكية، ولم تشفع (الليبرالية) لا للفيلم ولا للصحفيتين الشجاعتين بسبب بسيط هو اتساع الفجوة بين المبادئ العامة الجميلة لليبرالية وبين السياسة التي هي بنت الأزمة العامة من جهة، وبنت دخول الرأسمالية إلي مرحلة الاحتكار والامبريالية من جهة أخرى وهي تدوس على الحريات بالحذاء العسكري الثقيل. وحرية السوق هي الحرية الوحيدة المقدسة في عزمها.
قضية للمناقشة: حدود الليبرالية
نشر في: 16 يوليو, 2010: 06:40 م