ياسين طه حافظفي عالمٍ من الأنقاض والكلاب السائبهوحيث القناطر تقتنص عابريهاوالمصابيح تستدعي القتلة .. ،كبرت شجرة حبنا الوارفة
لا أدري كيف استقت ماءها العذب ،فأنا من بُعْدٍ رأيتُكِومن بُعْدٍ لمحتُ أضواءكِ السماوية ومن بُعد لمستُ أنامَلكِ الدافئاتوأبقيتها بكفي دقيقةً أُخرىفيها اتقّدَ الحب وما بارحني حتى اليوم .يومها كانت الشمس عليلة تتكئ على الجدران ،وأنا كنت معوزاً لمسرّات نظيفة لصوت ذي قرار انساني يُعطي الفوضى حولي معنى ،فما كان الا ان اتذكرّ طيرانك من المنصّة الى جواري وكيف شبّ الوهج الالهي بجناحي البجعه/ فطارت لتحط على بركتي الساكنة ...لكن كل هذا لا يقول لي كيف نمَتْ هذه الشجرةفي هذه الصحراء التي يموت فيها الذئب ..صحوتُ يوماً على زحف أقدام يحملون ميتاً ، خوف العسكر، في الليل بقيت الليلَ كله ابحث عن شقٍ يريني ضوءاً الأرض مستسلمه بألم والسماء صامتة على تقلّبات الريح وأنا بعد تذكرّكِ ، ظلت يدي مضمومةً كأنْ لمعة الله فيها .أُحسّ وأنا اسحب الستارةَ عن روحي تبعثرَ استجابتِكِ ، وسؤالك المرير "وماذا بعد ؟ "انا ايضاً أواجهُ هذا الخنجر الاسود فاسأل في أنقاضي : "وماذا بعد ؟ "السلّم تتهدم درْجاتُهُ تحت قدميّ ..rnفي الطريق الخالي الآن ،تجلس عجوز تبيع زهوراً من بلاستيك عتيقة .لا أحد يمرّ في الشارع .أي بؤس في هذا العالم !ماذا نفعل يا زنبقة الله ،لا أنا ولا أنت نملك وعوداً ولا أنتِ ولا أنا نرتضي أن نعود الى متاهتنا الاولى ، الى الارض الخَرِبةمثلّمة الاسنان.تَيَهاني في حشود الكراهات واللامعنى مثل تيه ذلك الملحمي الاعمى في البحر ،وهو متشبِّثٌ بالأغنيةينتظر وصول حبيبته .ولأن قصتَنا غريبةتنتابُكِ خطَفاتُ تردّدٍويشحب وجهُكِ الورديّ حين تسمعين صيحات الاوز البرّي يجتاز القفار المَغيمة .عمود الكهرباء القريب من باب دارنا مكسور مصباحه منذ اسابيع يبدو محزوناً وهو واقف مطفأً في العراء .فلا مفرَّ لي من حضوركِ في نهاري وفي كتابتي عالياً ارفع لك هذا الاعتراف قبل الغَرَق !في الليالي الباردة وساعة خفوت النار في الموقد ، أسأل :أيّ القدرات العجائبية لكِ تتحدين مع الوردة والموسيقى وتَصِلينَ ، لا ادري من اين ، الى روحي ابقي قريبة مني ، الرياح الكاسرة تركض بين البيوت المظلمة مثلُقطار حربي !في زماننا ، زمن السموم والكلاب اللهّاثة والارواح المباعةِ مرّاتٍ والتافهين السعالي،تخاف النظافة من جَُذام اعدائها .فيالشجاعة المصباح ويالوحشته في العتمة الشاسعة !امدّ يدي اليك واتردد .قد اورّطك في عالم لا تقدرين عليه ، تائِقُ أنا وحَذِر .لكن ، لأسألكِ ، ألقي الشال عن كتفيكِ واجيبي :هل نحن غرباء ؟لماذا تضرّج وجَهكِ إذن ، حين اعتنقَتْوحانا مثل شعلتين في البرية ؟ولماذا رمَقتِني بتلك النظرة التي لاتُنسى ؟لحظةً ، ارى امرأة اطبقت الباب وخرجت حافية تعدّل عباءتها في الشارع ..،الاخبار سيئة !كلنا في حيرة ، والمحنة تزداد .ماذا قلتِ حين فلتت صيحتي :"انتِ لا تفارقينني ..." ؟لماذا ارتبك الكلام في شفتيك ؟ما أنا متأكد منهانكِ تجدين فرَحاَ في كلمات تفرّ منك سعيدةً بجرأتها ، تلاحقينَها لتُطفئي صراحتَها ،لكنك تحبينها هكذا تتوهّج مشتعلةً باتجاهي ...والآن اسألكِ :كيف تطفو روحُكِ على نهرِ جاف ؟حزني من أجل ذلك ،مثل حبي لك، لا حدود له .محنةٌ هو الحب، تماماً كما العيش ،ومثل تورّطنا في الكون .سيئة هي حياتنا ،انسان واحد وخمسون وحشاً .الحجر مسنّنٌ والحياة مخطّطة بمثل جلد النمر ونحن نريد التحليق داخل شبكة من حديدبينما الرصاص في الخارج يُوزَّع اكثر من الحلوى .شعارُنا عصرنا :قيثارة وخنجروقدَرُنا أن نشعَّ حباً بين ثكنات أيامنا المتعفّنة ، ونعيش تحت ذلك الشعار.حبنا كان جريئاً. وأضاء .لكنه كشف ان الارض حولنا أكثر قتاماً مما نظن .ليعلم المستقبل ، اني كنت في المساءات أرتشف رحيق حبيبتي وفأس مقطِِّبةٌ سوداء أمامي،ليعلم المستقبل !في هذه المواسم الموبوءة التي خرّقها الرصاص والجريمة ،كبُرتْ وازدهرَتْ شجرةُ حبنا الوارفةكانت حياة وضيعة حولناوكلاب القمامة تتشمم عتبات البيوت ونحن بحب ، أو بألم ، نتّضح في ظلام العالم .هذه نعمة كبرى يا حبيبتي فهو عالمنا ، دعينا من بؤسه وشناعاته .في الليل ، وحين تُطفأُ الأضواء أرى ذراعك المضيئة، وكفك وردة الآلهة الخماسية ،ممتدة تريد يدي ،أيّ النِعَم ما تزال في الحياة !خاتمة حلوة لرسالتي، أقول لكِ ،ستُخفِضين عينيكِ وتوارين ابتَسامَتِكِ :مرةً ، رفعتُ الهاتف نسيتُ ما سأقوله لكِ بقيت شفتاي على برودته !تلك هي عذوبة الحب يا حبيبتي .أكملت الرسالة . سأضعها في زجاجة وأُلقي الزجاجة في البحر ...-
رسالة حب.. عُثِرَ عليها فـي زجاجة فـي البحر
نشر في: 19 يوليو, 2010: 06:23 م