وديع غزوانتطالعنا كتب التاريخ بنماذج وتعاريف متعددة عن مفهوم المسؤولية لدى هذا الشخص او ذاك، وإذا كان تعريفها اللغوي لا يحتمل التأويل في المعنى، فان البعض في العصر الراهن قد اجتهد في حصر معنى المسؤولية بمفهوم واحد لا يتعدى تحقيق مصلحته وتوزيع المناصب على الإتباع والأقارب بغض النظر عن الكفاءة او القدرة على تحمل هذا الوزر الكبير الذي عرفت به المجتمعات الإنسانية والمتمثل بقضاء حوائج الناس والسهر على مصالحهم.
ومع ان التاريخ الإنساني والعربي منه بشكل خاص، يحدثنا عن شخصيات هربت من تحمل هذا الوزر، رغم ما تمتلكه من كفاءة وعلم، لكنها وبحسب اجتهادنا المتواضع زهدت به في أوقات وعصور،شعرت بأنها لن تكون أمينة أمام الله وعباده وأمام ضميرها على ان تعطي لهذا الموقع حقه، وربما ستضطر الى المهادنة والخنوع والسكوت عن الحق في ظل أنظمة متجبرة ومتغطرسة، فان التاريخ نفسه يحدثنا عمن جعل من المسؤولية سلماً لتحقيق مآربه الضيقة التي لا تتعدى دائرة عشيرته وربما تتسع لتشمل بطانته وعدداً من عناصر حزبه، لقد بقي هذا الصراع المزمن بين هوى وإغراءات ما يوفره المنصب من إغراءات، والتمسك بمبادئ وقيم النزاهة والأمانة، عقدة ملازمة، مع الأسف، لعدد غير قليل من الأحزاب السابقة واللاحقة التي تبوأت مقاعد مجلس الحكم او النواب او مناصب في الحكومة منذ 2003 حتى الآن، وما يزيد في النفس غصة ان بعض نخبنا السياسية ما زالت لا ترغب في التوقف عند معطيات السنوات السبع الماضية منذ 2003، وما أفرزته هذه السنوات من نموذج مشوه للتطبيق الديمقراطي وقبله للعملية السياسية برمتها، التي كان يمكن ان تكون نموذجاً حياً في المنطقة، ليس هنالك من اختلاف في ان مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع في العراق عديدة يتحمل بعضها الجانب الأميركي وغيره من دول الجوار التي فتحت الخلافات شهيتها للتدخل في شؤون العراق، لكن الحجم الأكبر يقع على بعض القوى السياسية، التي ما زالت لم تصل حتى في أسلوب تحاوراتها فيما بينها الى الحدود الدنيا من مفاهيم الديمقراطية، التي تدعو الى احترام الآخر وعدم التشهير والتنزه عن حماية المسيء والمفسد.. الخ.ويكفي ان نعود بالذاكرة الى كل ما أفرزته مشاورات الكتل السياسية منذ أربعة أشهر لحد الآن من نتائج لندرك مدى ما نحن فيه من حالة تخبط لا تحسد عليها الأطراف السياسية المتلاهية والمنشغلة بمنصب رئيس الوزراء، دون أي اكتراث بمعاناة الأغلبية من الشعب الذي ضحى وذهب الى صناديق الاقتراع على أمل ان تكون هذه الكتل قد استوعبت ما جرى وستعمل متكاتفة على تصحيحه، ومتجاوزة كل هذه الإخفاقات.الغريب ان بعض الشخصيات السياسية تتحدث عن صفقات ستجرى لحل مأزق تشكيل الحكومة، بحسب تصريحاتهم، دون ان يفصحوا عن ماهية هذه الصفقات وعلى حساب من؟!لا نريد ان نبدو متشائمين، غير ان تفاخر البعض بما تحقق، لا يمكن ان يشكل غشاوة تحجب مساوئ الفساد المستشري وتردي الخدمات وغيرها،واللهاث وراء مغانم العملية السياسية، كما ان فسحة الحرية ليست منة بل انتزعها الشعب بتضحياته، الذي ضاق ذرعاً بصفقات تعقد على حساب مصلحته.وعذراً اذا قلت انني لم أجد بداً من اختتام الموضوع بالقول ان ما تحقق في إقليم كردستان يمنحنا بارقة أمل بالمستقبل، وبان لاشيء مستحيل اذا ما توفرت الإرادة الجادة.
كردستانيات: المسؤولية والصفقات
نشر في: 20 يوليو, 2010: 07:18 م