لطيف القصابفـي ظل ظروف الركود السياسي الذي يشهده العراق حاليا ثمة مسوغ يغري الكثيرين بالحديث عن قضية ما يسمى بالخروق الدستورية. فباسم هذا العنوان الأكثـر حداثة تنفتح شهية خطباء السياسة فـي التعبير عن مواقفهم كل باتجاه زاوية النظر التي تخدم توجهاته وإغراضه وأمانيه هو ومن يتبعه.
ولاحظت من متابعتي اليومية عديدا من الصحف وبرامج تليفزيونية جادة، ورود معلومات غير دقيقة أو غير صحيحة أو ناقصة. وسأكتفي بثلاثة أمثلة لزملاء أعزاء احترمهم وأقدرهم واثق فـي عملهم، برغم أي خلافات فـي الرأي قد تكون بيني وبينهم. الطريف ان غالبية الماسكين بالملف السياسي من العراقيين يقرون بوجود هذا الخرق ويحذرون من اتساع رقعته على حاضر ومستقبل البلاد ولكن ليس من احد تقريبا يملك الجرأة الكافية ليعلن على الملأ انه وبشكل من الاشكال يمثل جزءا قليلا او كثيرا في حدوث هذا الخرق. الكل يسند مواطن الخلل في هذا الموضوع المخجل الى سواه ممن يقع خارج نطاق حدود الفلك السياسي الذي يدور فيه او حوله.طبعا ليس المقصود من السطور المتقدمة التهوين من خطر ضرب النواميس الدستورية والتقليل من أهمية احترامها وصيانتها فوجود وثيقة رسمية داخلية تنظم أحوال الناس العامة أضحت من الأولويات التي يجهد المتحضرون حول العالم في إشاعتها بين الدول والمجتمعات الإنسانية، ولكن المؤاخذة تكمن في ضعف المبادرات السياسية التي تجعل من مشكلة داخلية مجالا للسجالات الكلامية في وقت يستلزم وجود حل وطني لهذه المشكلة وبالتالي تهيأ الأرضية المناسبة للبازار السياسي الأجنبي في ان يتولى مسؤولية النطق بحكم نهائي للمشكلة خاصة في بلد مثل العراق الذي لا يزال يرزح تحت مقررات أحكام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.ان اعتراف مسؤولي السياسة العراقية بوجود خروق في الدستور يقتضي وجود جهة عراقية من شانها علاج هذا الخرق بأسرع وقت ممكن وبدون ذلك فان الحديث عن وجود او عدم وجود خرق دستوري يغدو حديثا مثيرا للاستفزاز والإحباط، فمن هي يا ترى هذه الجهة التي تقوى على مهمة تصحيح الخروق الدستورية ووضع الأمور في نصابها ان لم تكن صادرة عن إرادات القوى السياسية الفاعلة ؟ ان مهمة الخروج من الواقع السياسي العراقي الراكد يقع عبئها لا محالة على كاهل المتصدرين لإدارة المشهد السياسي العراقي الحالي سواء الذين لا يزالون يمسكون بمواقع السلطة والقرار او الذين تراودهم أفكار التسلط واتخاذ القرار، عليهم ان يرشدوا الناس الى عصا حل سحرية، بل عليهم ان يخلقوا هذه العصا من العدم في حال كونها غير موجودة بالفعل. انهم يستطيعون ذلك بالتأكيد اذا ركزوا على إحراز هدف صيانة هيبة الدولة التي ينتمون اليها ويشكلون هم وأحزابهم خطوطها العامة العريضة، لكنهم لن يستطيعوا ان يأتوا بشيء ذي جدوى مع تركيز كل منهم على صيانة حقوقه او حقوق جماعته السياسية فحسب وعاش في أوهام القوة والجبروت. ان بقاء السياسيين لاسيما المسؤولين منهم في معرض الإقرار بوجود مشكلة لا يقدرون (هم) على حلها نتيجته الحتمية فقدانهم الأكيد لما تبقى من نفوذهم وتأثيرهم في مجمل الوضع السياسي العام. ذلك ان سوء الأداء السياسي والسخط الجماهيري عنصرين يستدعي الواحد منهما الآخر.الى الآن لم يجتمع السياسيون العراقيون على فكرة اللجوء الى المنظمات العالمية لأجل إيجاد حل لمشكلة من يقود بلادهم في هذه المرحلة ولكن اذا ما بقيت الأمور سائرة باتجاه اللا حل الداخلي فان الأيام القليلة القادمة سوف تضغط بقوة لإيجاد حل سحري أممي لمحنة تشكيل الحكومة، فالعراق الذي لا يزال يعيش خرقا دستوريا مستمرا ما يزال يعيش أيضاً خضوعا مستمرا للوصاية الدولية.
الخرق الدستوري وإلزامية الفصل السابع
نشر في: 21 يوليو, 2010: 07:06 م